للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ حَمَاسٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ

ــ

[المنتقى]

يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ» مَعْنَى يَبُسُّونَ يُقَالُ فِي زَجْرِ الدَّابَّةِ إذَا سَبَقَتْ بِسْ بِسْ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ بَسَسْت وَأَبْسَسْت قَالَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَبُسُّونَ يَسُوقُونَ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: ٥] أَيْ سِيقَتْ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى يَبُسُّونَ يَسِيرُونَ عَنْهَا سَيْرًا أَفْوَاجًا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا قَالَ: سُيِّرَتْ الْجِبَالُ سَيْرًا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَوْلُهُ يَبُسُّونَ مَعْنَاهُ يُؤَلِّفُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَى غَيْرِهَا وَيُزَيِّنُونَ لَهُمْ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَبُسُّونَ يَدَعُونَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ» يُرِيدُ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِمْ مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِرَحِيلِهِ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِمَّنْ لَا يَرْحَلُ بِرَحِيلِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا يَفُوتُهُمْ مِنْ الْأَجْرِ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّا يَنَالُونَهُ مِنْ الْخِصْبِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ حَيْثُ يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ مِنْ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ حَمَاسٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي وَقْتٍ تَكُونُ فِيهِ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا أَوْ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ حُسْنَ ثِمَارِهَا وَنَمَاءَهَا، وَلِذَلِكَ قَالُوا لَهُ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ يَوْمَئِذٍ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُسْنِهَا فِي وَقْتِ صَلَاحِهَا وَعِمَارَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا، فَيَكُونُ أَحْسَنَ بِمَعْنَى الْحُسْنِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧] مَعْنَاهُ وَهُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ» ظَاهِرُهُ تَرْكُ سُكْنَاهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ سُكْنَاهَا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ شِدَّةِ حَالٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِإِيثَارِهِمْ غَيْرَهَا عَلَيْهَا لِخِصْبٍ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ» يَقْتَضِي إخْلَاءَهَا جُمْلَةً حَتَّى لَا يَكُونَ بِهَا مِنْ سُكَّانِهَا مَنْ لَا يَمْنَعُ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى يُعَدِّي عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِد قَالَ ابْنُ بُكَيْر مَعْنَاهُ يَبُولُ، وَعِنْدِي أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَنَّهُ يَقْطَعُ بَوْلَهُ دَفْعَةً دَفْعَةً، يُقَالُ عَدَا بِبَوْلِهِ إذَا دَفَعَهُ دَفْعَةً.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ وَمِنْهُ عَدَا الْعِرْقُ وَغَيْرُهُ يُعَدِّي وَمِنْهُ قِيلَ الْبَعِيرُ يَعْدُو بِبَوْلِهِ إذَا رَمَى بِهِ مُتَقَطِّعًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُمْ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ سُؤَالٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ انْقِطَاعِ النَّاسِ عَنْهَا جُمْلَةً، وَهَلْ يَكُونُونَ مِنْهَا عَلَى حَالٍ مِنْ شَأْنِهَا فِي وَقْتِ الثِّمَارِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَكُونُ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» .

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الْعَوَافِي مِنْ الْوَحْشِ وَالسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك عَفَوْت فُلَانًا أَعْفُوهُ إذَا أَتَيْته تَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ، وَيُقَالُ فُلَانٌ كَثِيرُ الْغَاشِيَةِ وَالْعَافِي أَيْ يَغْشَاهُ السُّؤَالُ وَالطَّالِبُونَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ انْقِطَاعَ أَهْلِهَا عَنْهَا وَتَرْكَ ثِمَارِهَا حَتَّى لَا تَكُونَ إلَّا لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا تَعِيشُ مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ أَرْبَابِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>