مَا يُفْعَلُ بِالْوَلِيدَةِ إذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ إنَّك إنْ بِعْتهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ) .
ــ
[المنتقى]
كَانَ الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِ الْمَبِيعِ وَكَانَ الْعَيْبُ بِأَقَلِّهِ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَخْذَ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْبَائِعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ فَيَحْمِلُ سَالِمُهُ مَعِيبَهُ فَفِي أَخْذِ السَّلِيمِ دُونَ الْمَعِيبِ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَمَا كَانَ الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْهُ الْكَثِيرَ وَلَا يُرَادُ مِنْهُ الْأَعْيَانُ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ السَّلِيمَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ.
[مَا يُفْعَلُ بِالْوَلِيدَةِ إذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا]
(ش) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ إنَّك إنَّ بِعْتهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ مِنْهُ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يُسَمِّيه الْعُلَمَاءُ الثُّنْيَا وَيُسَمُّونَ الْبَيْعَ الْمُنْعَقِدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَيْعَ الثُّنْيَا وَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ مَعَ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ الثُّنْيَا فِي الْبَيْعِ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ أَوْ مُؤَقَّتَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُبْتَاعُ مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ رَدَدْت عَلَيْك الْمَبِيعَ أَوْ يَقُولَ لَهُ مَتَى أَرَدْت بَيْعَهَا رَدَدْتهَا عَلَيْك بِالثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَى بِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتهَا بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ فَيَكُونُ تَارَةً مَبِيعًا وَتَارَةً سَلَفًا عَلَّلَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا وَعَلَّلَ سَحْنُونٌ بِأَنَّهُ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُسْلِفُهُ الثَّمَنَ لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِاسْتِغْلَالِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ يَتَمَيَّزُ السَّلَفُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلَوْ قَالَ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا لَكَانَ أَقْرَبَ وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ يُرَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هَذَا وَلِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَرْتَجِعَ فَلَا يَكُونُ سَلَفًا وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ فَيَكُونُ سَلَفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَفِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ الْغَيْبِ عَلَى السَّلَفِ وَلَمَّا لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَسَلَفًا، وَقَالَ هُوَ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الْإِقَالَةِ، وَذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَ الْمُبْتَاعُ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فَيَقُولُ الْبَائِعُ أُقِيلُك عَلَى أَنَّك إنْ أَرَدْت بَيْعَهُ فَأَنَا أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ فَيُقِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُبْتَاعُ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُقِيلَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ الْمُقَالُ وَلَا تُفْسَخُ الْأُولَى وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَابٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَلَوْ شَرَطَ إذَا أَقَالَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ انْتِقَالَ الْبَيْعِ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَطَالَ فَبَيْعُ الْمُسْتَقْبَلِ نَافِذٌ كَاَلَّذِي سَأَلَ زَوْجَتَهُ وَضْعَ صَدَاقِهَا فَقَالَتْ أَخَافُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَوَضَعْته، ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَلَهَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ بِمَا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَدَعَهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَلَيْسَتْ بِعَقْدِ بَيْعٍ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إزَالَةُ مِلْكٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الشُّرُوطِ وَعَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الْبُيُوعَ وَيُصَحِّحُهَا مَا يُصَحِّحُ الْبُيُوعَ وَعَلَى حَسَبِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْإِقَالَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute