للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ

ــ

[المنتقى]

يَقْتَضِي أَنَّهُ خَرَجَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْمَدِينَةُ لَا يَبْقَى عَلَى شِدَّتِهَا إلَّا مَنْ أَخْلَصَ إيمَانَهُ، وَأَمَّا مَنْ خَبُثَتْ سَرِيرَتُهُ فَإِنَّهَا تَنْفِيهِ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ مَا يُخَلِّصُ بِهِ الْحَدَّادُ حَدِيدَهُ، فَالْمَدِينَةُ تَنْفِي مَنْ لَمْ يُخَلِّصْ إيمَانَهُ وَيَبْقَى مَنْ خَلَّصَ إيمَانَهُ، وَمَعْنَى يَنْصَعُ طِيبُهَا يَخْلُصُ وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ يَنْصَعُ طِيبُهَا أَيْ يَبْقَى وَيَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَخْلُصُ لِلْبَقَاءِ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَأَهْلُ الْفَضْلِ.

وَقَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَنْفِي أَهْلَ الْخَبَثِ مِنْ النَّاسِ، وَالْخَبَثُ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمَا يُفْسِدُهُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَالْتَفَتَ إلَى مُزَاحِمَ مَوْلَاهُ فَقَالَ يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أُمِرْت بِالْخُرُوجِ إلَيْهَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَعْنَاهُ فِي رَأْيِي تَفْتَحُ الْقُرَى قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَدِينَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: ١٢٣] قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمَدِينَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى أَكْلِهَا الْقُرَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ مِنْهَا يَغْلِبُ عَلَى سَائِرِ الْقُرَى، وَيَفْتَحُ جَمِيعَهَا وَيَأْخُذُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَكْثَرَ أَمْوَالِهَا، وَيَنْتَقِلُ حُكْمُهُمْ إلَى أَمِيرٍ سَاكِنٍ الْمَدِينَةَ وَتَعُودُ طَاعَةً لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ» قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ، وَأَنَا أُسَمِّيهَا الْمَدِينَةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيُقَالُ أَنَّ مَنْ سَمَّاهَا يَثْرِبَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَثْرِبَ فَقَالَ: إنَّمَا الْقُرْآنُ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: ١٣] وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إخْبَارٌ عَنْ الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: ١٢] ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: ١٣] وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَارْجِعُوا، فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ رَدَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ، فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ تُسَمَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ اسْمَهَا طَيْبَةُ وَطَابَةُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغْبَةً عَنْ ثَوَابِ السَّاكِنِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِضَرُورَةِ شِدَّةِ زَمَانٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَخْرُجُ رَغْبَةً عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ اسْتِيطَانِهَا إلَى اسْتِيطَانِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا غَيْرَهَا فَقَدِمَ عَلَيْهَا طَالِبًا لِلْقُرْبَةِ بِإِتْيَانِهَا أَوْ مُسَافِرًا فَخَرَجَ عَنْهَا رَاجِعًا إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْفَارِهِ، فَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا رَغْبَةً عَنْهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَبْدَلَهَا اللَّهُ مُسْتَوْطِنًا بِهَا خَيْرًا مِنْهُ، إمَّا بِمُنْتَقِلٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مَوْلُودٍ يُولَدُ فِيهَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>