الْمُرَاطَلَةُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى) .
ــ
[المنتقى]
بَاقِيَ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَرَاهِمِهِ فَقَدْ بَاعَهُ طَوْقًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّرْفِ وَإِنَّمَا نَسْتَثْنِي مِنْهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَهُوَ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ فَلِذَلِكَ كَرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الذَّهَبَ الزَّائِفَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ لَهُ كَانَ مَا بَدَّلَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ دَيْنًا عَلَى بَائِعِ الدَّرَاهِمِ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ إتْمَامُ الصَّرْفِ فِيهِ وَيَجِبُ نَقْضُهُ.
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلٌ بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتِّبْرُ بِالتِّبْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» .
[الْمُرَاطَلَةُ]
(ش) : قَوْلُهُ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ يُرِيدُ مُبَادَلَةَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهِيَ الْمُرَاطَلَةُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ إحْدَاهُمَا غَيْرُ مَسْكُوكٍ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِهِ وَالثَّانِي مَسْكُوكٌ فَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا تَرِدُ أَكْثَرُ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمُرَاطَلَةِ فَإِنَّ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ مُطْلَقَةٌ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَعْرِفَةِ الْوَزْنِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجُزَافِ وَالْجُزَافُ مِنْ مَسْكُوكِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ عِنْدَهُمْ بِالْمُرَاطَلَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ وَزْنَ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ ثُمَّ يُرَاطِلَ بِهَا الْآخَرَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا إنْ وُزِنَتْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ ثُمَّ وُزِنَ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلُهَا بِتِلْكَ الصَّنْجَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا تُيُقِّنَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَدْ عَرِيَ عَنْ الْجُزَافِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ.
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ وَإِنْ تَفَاضَلَ الْعَدَدُ وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ) .
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي مُرَاطَلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ الْعَدَدُ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ الْوَزْنُ سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَجْمُوعَةً أَوْ فُرَادَى أَوْ قَائِمَةً أَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَجْمُوعَةً وَالثَّانِيَةُ فُرَادَى أَوْ قَائِمَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ إنَّمَا هُوَ بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّعَامُلُ فِيهِ بِالْعَدَدِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لِلْعُرْفِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْوَزْنِ فِيمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّسَاوِي فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ التَّسَاوِي وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوَزْنُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ اعْتِبَارِهِ وَوَجْهُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ وَسَقَطَ حُكْمُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي فَسَادِ عَقْدٍ وَلَا صِحَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute