للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْهِبَةِ كَالْيَتِيمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مِنْ أَجْلِ الْهِبَةِ فَلَا يُمْنَعُ اعْتِصَارُهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ دَيْنٌ بِسَبَبِ الْهِبَةِ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ الْغَنِيَّ الْهِبَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُدَايَنُ بِمِثْلِهَا فَأَدَانَ، أَوْ تَزَوَّجَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ذَلِكَ يَرْفَعُ الِاعْتِصَارَ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ قَدْ قَوَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْهِبَةِ حَقُّ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَايِنْ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ مِنْ أَجْلِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَتَهُ الْمَالَ فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ، أَوْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ، يُرِيدُ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُقْصَدُ فِيهِ الْمَالُ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِدِينِهَا وَلِمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» فَإِذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ وَكَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَزَوَّجَ الْآخَرَ مِنْ أَجْلِ عَطِيَّةِ أَبِيهِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُزِيلَ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ فَتَبْطُلَ زِيَادَةُ مَنْ زَادَ فِي نِكَاحِهِ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَوْ زَالَ النِّكَاحُ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَعُودُ حُكْمُ الِاعْتِصَارِ سَوَاءٌ دَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَدْ عَرَّضَهُ لِذَلِكَ فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ النَّاسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهَا كَمَا لَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي التِّجَارَةِ بِمَالٍ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ فِيهِ مِلْكٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْأُنْثَى.

وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ نِكَاحَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ، وَقَالَ: لِأَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ دَخَلَ فِي مَا الْمَخْرَجُ مِنْهُ بِيَدِهِ وَدَخَلَتْ الِابْنَةُ فِيمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُ بِيَدِ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَالِ الزَّوْجِ كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجِ بِمَالِ الزَّوْجَةِ بَلْ تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجَةِ بِمَالِ الزَّوْجِ أَقْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُدَايِنَةِ وَلِمَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الِابْنَةِ يَقْطَعُ الِاعْتِصَارَ فَبِأَنْ يَقْطَعَهُ نِكَاحُ الذَّكَرِ أَوْلَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ مَرَضُ الْمُعْطِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَعْتَصِرُ مَرِيضٌ وَلَا يَعْتَصِرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَصِرُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَصِرُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَيْسُوا بِآبَاءٍ وَلَا يَعْتَصِرُ إلَّا الْأَبُ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَعْتَصِرُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ كَمَا لَوْ تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ لَامْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَهَلْ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعُودُ حُكْمُ الِاعْتِصَارِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ قَالَ أَصْبَغُ مَا زَالَ بِهِ الِاعْتِصَارُ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَلَا يَعُودُ بِزَوَالِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُطَرِّفٌ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يُحْدِثْهُ الْوَلَدُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ بِسَبَبِهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُودَ بِهِ الِاعْتِصَارُ وَوَجْهٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْهِبَاتِ إنَّمَا هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْبُرْءُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاعْتِصَارَ إذَا زَالَ بِسَبَبِ لَمْ يَعْدُ بِزَوَالِهِ كَالنِّكَاحِ وَالدَّيْنِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَتَغَيُّرُ الْهِبَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي ذَاتِهَا وَفِي قِيمَتِهَا فَإِذَا تَغَيَّرَتْ فِي قِيمَتِهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِفَتِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا تَغَيُّرُهَا فِي عَيْنِهَا وَنَقْصُهَا فَلَا يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ نَقْصَ الْهِبَةِ وَزِيَادَتَهَا لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَنَقْصِ الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَغَيُّرَ حَالِ ذِمَّةِ الْمُعْطِي يَقْطَعُ الِاعْتِصَارَ فَبِأَنْ يَمْنَعَهُ تَغَيُّرُ الْهِبَةِ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى (فَرْعٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>