(ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نِحَلًا، أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ وَيَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الدُّيُونُ، أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَتَهُ الْمَالَ فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ الْأَبُ، أَوْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ابْنِهِ وَلَا مِنْ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك)
ــ
[المنتقى]
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَا يَلِي مَالَهُ إلَّا بِتَوَلِّيهِ لَمْ يَرْجِعْ فِي هِبَتِهِ كَالِابْنِ يَهَبُ أَبَاهُ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِصَارَ جَائِزٌ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا فَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ النِّحْلَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يَخْلُصُهَا لِلْقُرْبَةِ فَجَازَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ كَاَلَّتِي شُرِطَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ.
(ش) : قَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا يُرِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ نَحَلَ نَحْلًا أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا خُصُّ الْوَلَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَصَرُ إلَّا الْأَبَوَيْنِ مِنْ الِابْنِ وَالِابْنَةِ صِغَارًا كَانُوا، أَوْ كِبَارًا فَأَمَّا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُعْتَصَرُ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَيَرِثُ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَلَا يَكُونُ بِيَدِهِ بِضْعُ بَنَاتِ الِابْنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ يَعْتَصِرَانِ كَالْأَبَوَيْنِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاعْتِصَارُ كَالْعَمِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَدْلَى بِالْأُبُوَّةِ وَيُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْأُخُوَّةِ كَالْأَبِ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُمَّ تَعْتَصِرُ فَإِنَّهَا لَا تَعْتَصِرُ مِنْ يَتِيمٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْهِبَةُ لِلْيَتِيمِ لِلْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ وَخَوْفِ ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَعْنَاهُ الصِّلَةُ وَالْقُرْبَةُ فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الصَّدَقَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ أُمٌّ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْيَتِيمَ إذَا كَانَ غَنِيًّا فَإِنَّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مِنْهُ كَمَا تَعْتَصِرُ مِنْ الْكَبِيرِ قَالَ مَالِكٌ لِلْأُمِّ مِنْ الِاعْتِصَارِ مَا لِلْأَبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَجَازَ أَنْ تُعْتَصَرَ، وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ كَالْأَبِ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا تَعْتَصِرُ الْأُمُّ مِنْ الْيَتِيمِ فَوَهَبَتْ ابْنَهَا الصَّغِيرَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ، وَإِنْ كَبِرَ، وَلَوْ كَبِرَ الِابْنُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ الِاعْتِصَارُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتَعْتَصِرُ الْأُمُّ مَا وَهَبَتْ لِابْنِهَا الْكَبِيرِ لَا أَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْيُتْمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتِيمًا حِينَ الْهِبَةِ وَلَا بَعْدَهَا إلَى وَقْتِ الِاعْتِصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُنَافِي الِاعْتِصَارَ وَقْتَ الْهِبَةِ مِنْ الْيَتِيمِ إنْ وُجِدَ قَبْلَ الِاعْتِصَارِ مَنَعَ الِاعْتِصَارَ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْهِبَةِ وَيُخْرِجُهَا عَنْ حُكْمِ الْهِبَةِ إلَى حُكْمِ الصَّدَقَةِ.
١ -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتَصَرَ مَا لَمْ يُحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ أَمْوَالَ النَّاسِ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الْحَالُ لِلْمَوْهُوبِ مِنْ أَجْلِ ذِمَّتِهِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ النَّاسِ بِهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ.
(فَرْعٌ) وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مِدْيَانًا فَوَهَبَهُ الْأَبُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ ابْنَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ ابْنَهُ الْمَرِيضَ، أَوْ الْمِدْيَانَ لَمْ يَعْتَصِرْ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْعَطِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَادِثِ قَالَ أَصْبَغُ إذَا كَانَتْ الْحَالُ وَاحِدَةً كَالْحَالِ يَوْمَ الْهِبَةِ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا مَنَعَ الِاعْتِصَارَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْهِبَةِ يَمْنَعُهَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ