. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المنتقى]
عَلَى التَّمَاثُلِ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قُلْنَا فِيهِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَصَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالْجِنْسِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرْبِزَ وَالْبِطِّيخَ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَلَا ذَكَرَ السَّقَمُونْيَا وَلَا الطَّبَاشِيرَ وَلَا الْأَسَارُونَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْأَدْوِيَةِ وَلَا ذَكَرَ الْجِيرَ وَلَا الرَّمَادَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْجِنْسَ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا.
وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الرِّبَا فِيهَا فَأَتَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَالْمَعْنَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ أَخَصُّ صِفَةٍ تُوجَدُ فِيهَا وَوَجَدْنَا التَّمْرَ يُؤْكَلُ قُوتًا وَيُؤْكَلُ حَلَاوَةً وَتَفَكُّهًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَلَحِقَتْ بِهِ الْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ خَاصَّةً وَوَجَدْنَا الشَّعِيرَ يُؤْكَلُ مِنْ أَدْنَى الْأَقْوَاتِ وَيَكُونُ عَلَفًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ أَدْنَى الْأَقْوَاتِ خَاصَّةً دُونَ أَعْلَاهَا وَلَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْعَلَفُ مِنْ الْقَضْبِ وَالْقُرْطِ وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ مِمَّا يُصْلِحُ الْأَقْوَاتَ وَيُطَيِّبُهَا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْأَقْوَاتُ الْمُصْلَحَةُ وَلَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْمَاءُ وَالْبُقُولُ الَّتِي يَصْلُحُ بِهَا الْبِطِّيخُ وَوَجَدْنَا الْبُرَّ أَرْفَعَ الْأَقْوَاتِ وَمَا يُقْتَاتُ عَامًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَقَصَرْنَا حُكْمَهُ عَلَى رَفِيعِ الْأَقْوَاتِ وَمَنَعْنَا الرِّبَا أَنْ يَجْرِيَ فِي أَدْوَنِهَا أَوْ يَجْرِيَ فِي الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعُمُّ اقْتِيَاتُهُ وَلَوْ أَرَادَ عُمُومَ الْعِلَّةِ لَاكْتَفَى بِاسْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّمَا كَثُرَتْ أَوْصَافُ الْعِلَّةِ كَانَتْ أَخَصَّ وَكُلَّمَا قَلَّتْ كَانَتْ أَعَمَّ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ مَا قَالُوهُ إنَّ كُلَّ جِنْسٍ ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا لِعِلَّةٍ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ عِلَّتِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَمَّا ثَبَتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةِ الْوَزْنِ عِنْدَهُمْ وَبِعِلَّةِ أَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ عِنْدَنَا لَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرِّبَا عَنْهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَا مِنْ نِقَارٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ سِكَّةٍ أَوْ صِيَاغَةٍ جَرَتْ مَوْزُونَةً أَوْ عَدَدًا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْحِنْطَةِ إذَا طُحِنَتْ وَخُبِزَتْ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبَا ثَابِتًا فِيهَا أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حَصَلَ أَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ عَلَيْهَا أَخْرَجَهَا عَنْ عِلَّتِهَا فِي الرِّبَا وَأَوْجَبَ أَنْ يُعَلَّلَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِبُطْلَانِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الصِّفَاتِ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا يُسْقِطُ الرِّبَا عَنْهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي قَلِيلِ الْحِنْطَةِ فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ حَرُمَ التَّفَاضُلُ فِي كَثِيرِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي قَلِيلِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِالْجَوَاهِرِ الْمَعْدِنِيَّةِ تَعَلَّقَتْ بِأَرْفَعِهَا وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ دُونَ أَدْوَنِهَا وَهُوَ الرَّصَاصُ وَالْآنُكُ وَالنُّحَاسُ وَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِالْمَطْعُومِ وَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِأَرْفَعِهِ وَهُوَ الْمُقْتَاتُ دُونَ غَيْرِهِ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَقْصُرُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ مُقْتَاتٍ دُونَ مَا يُؤْكَلُ عَلَى وَجْهِ التَّفَكُّهِ أَوْ التَّدَاوِي فَجَرَى الرِّبَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْعَلَسِ وَالْأُرْزِ وَالدَّخَنِ وَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالزَّبِيبِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ وَالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ وَالْفُلْفُلِ وَالْكَرَوْيَاءِ وَحَبِّ الْكُزْبَرِ وَالْقِرْفَةِ وَالسُّنْبُلِ وَالْخَرْدَلِ وَالْقُرْطُمِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَدَكِ الرُّءُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْتَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ عَادَاتِ الْبِلَادِ فِي ذَلِكَ وَاتِّفَاقِهَا.
وَاخْتَلَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute