(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ ثَمَرِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ مِنْ حَائِطٍ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ) .
مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّ عَامِلَك عَلَى خَيْبَرَ يَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[المنتقى]
الْبَائِعُ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ مَشَقَّةَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْكَيْلِ فَلَا يَقْصِدُ إلَّا الْمُخَاطَرَةَ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّبْرَةِ وَالثَّمَرَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ وَالصُّبْرَةُ يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ وَهَذَا عِنْدِي يَكُونُ فِيهِ قَوْلَانِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْقَوْلِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْمُبْتَاعِ بَعْضَ الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ مَعَ الْأَصْلِ وَبَعْضَ الثَّمَرَةِ التَّابِعَةِ لِلدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ فَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ زَادَ عَلَى مَنْعِهَا وَقَوْلُهُ إنَّ الْجُزَافَ فِي الْبَيْعِ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَأَتِّي الْحَزْرِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ بِالْكَيْلِ يَكْثُرُ بِهِ الْغَرَرُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ جَدَّهَا وَقَدْ قَبَضَ الْبَائِعُ مَا اسْتَثْنَاهُ رَدَّ الْمُبْتَاعُ كَيْلَ التَّمْرِ الَّذِي أَخَذَ إنْ عَرَفَ كَيْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهُ فَقِيمَتُهُ خَرْصُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ.
(ش) : اسْتِثْنَاءُ الرَّجُلِ مِنْ حَائِطِهِ فِي الْبَيْعِ عَدَدَ نَخَلَاتٍ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَيِّنَهَا وَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْبَيْعَ عَلَى سَائِرِهَا وَهُوَ مُعَيَّنٌ وَالثَّانِي أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ فَيَقُولُ أَبِيعُ مِنْهُ هَذَا الْحَائِطَ غَيْرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٍ فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الصِّحَّةِ وَمَخْرَجًا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْعَدَدِ فِي عَدَدِ جَمِيعِ الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى خَمْسَةً، وَالْحَائِطُ خَمْسُونَ كَانَ لَهُ عُشْرُ الثَّمَنِ مُشَاعًا وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ أَرْبَعِينَ كَانَ لَهُ ثَمَنُ الثَّمَرِ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَكُونُ شَرِيكًا.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ اخْتِيَارَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى الْكَثِيرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى الْيَسِيرَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَيْسَ يَمْتَنِعُ فَلَا يَفْسُدُ بِغَرَرٍ وَلَا شَيْءَ مِمَّا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَا يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِهِ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَجَرَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا وَيَخْتَارَ غَيْرَهَا إنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا انْتَقَلَ إلَى الْمُخْتَارِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْبَيْعِ أَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الْمَلِكِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ مَا يَخْتَارُهَا مِنْ الْحَائِطِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْتَارَ ثَمَرَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا وَيَأْخُذَ غَيْرَهَا فَيَدْخُلَهُ التَّفَاضُلُ فِي الْمَطْعُومِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ عَلَى الْبَائِعِ فِي اخْتِيَارِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ الْمُبْتَاعِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ اخْتِيَارَ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَطَ اخْتِيَارَ يَسِيرٍ مِنْهُ جَازَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْكَثِيرَ ذَهَبَ بِمُعْظَمِ الْجُمْلَةِ فَدَخَلَ كَثِيرُ الْغَرَرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ الْجَهْلِ بِصِفَتِهَا وَتَفَاوَتَ التَّغْرِيرُ فِيهَا فَعَادَ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْيَسِيرَ مِنْهَا بَقِيَ مُعْظَمُ الْجُمْلَةِ فَقَلَّ الْغَرَرُ فِيهَا وَتَفَاوَتَ أَمْرُهَا وَيَجُوزُ مِنْ الْمُبْتَاعِ الِانْتِفَاعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُبْتَاعِ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِصِفَةٍ وَلَا كَثِيرُ الْغَرَرِ وَمَا بَقِيَ لِلْمُبْتَاعِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ هُوَ الْمَبِيعُ فَفَسَدَ الْبَيْعُ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَجَهْلِهِ بِالصِّفَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute