(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْأَفْرَقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) .
ــ
[المنتقى]
الْغَرَرِ وَقَاسَهُ عَلَى الصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى التَّحَرِّي عَلَى أَنَّ فِيهَا عَدَدَ أَصْوُعٍ وَوَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِقْدَارِ مَا يَبِيعُهُ بِالتَّحَرِّي وَالْكَيْلِ يَكْثُرُ بِهِ الْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لِاجْتِمَاعِهِمَا.
وَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَرْئِيٌّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ فَجَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جُزْءًا شَائِعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا فَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُجِيزُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْغَرَضَ مَعْلُومٌ مِنْ ذَلِكَ عَارٍ مِنْ الْغَرَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَبِيعُك هَذَا الْحَائِطَ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ فَالْمَفْهُومُ بِعْتُك عُشْرَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(ش) : قَوْله اسْتَثْنَى مِنْهُ يُرِيدُ مِنْ ثَمَرِهِ وَقَوْلُهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْغَرَرِ أَوْ اسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ قَدَّرَهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا فَذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الثُّلُثِ الْخُمْسَ، وَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْكَيْلِ بِسِعْرٍ مُتَقَرِّرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ فَأَقَلُّ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّرَ هَذَا بِالثَّمَرِ لَجَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَكْثَرُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ جُزَافًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ كَيْلًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لَا يُدْخِلُ غَرَرًا فِي الْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى جُزْءًا شَائِعًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ ذَلِكَ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا قَالَهُ أَصْبَغُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَمَا يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَفْسُدُ لِلْجَهْلِ بِمَالِهِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَمْلَاكِهِ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ نَوْعًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً فَاسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرَ ثُلُثِهِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَثْنَى مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِثُلُثِ الْحَائِطِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَبْقَى فِي الْكَيْلِ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَا يَبْقَى هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الْحَائِطِ وَتِلْكَ صِفَةٌ رَضِيَهَا الْمُبْتَاعُ لَا تُدْخِلُ غَرَرًا فِي الْكَيْلِ وَالْقَدْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ فِي نَوْعٍ مِنْهُ وَيَشْتَرِي الْجُمْلَةَ لِأَجْلِهِ وَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ كَيْلًا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ أَدْخَلَ غَرَرًا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ وَرُبَّمَا اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ جَمِيعُهُ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ بَاعَ مِنْهُ صُبْرَةَ طَعَامٍ جُزَافًا لَكَانَ حُكْمُهَا فِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ ثُلُثِهَا بِالْكَيْلِ وَمَنْعِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ الثَّمَرَةِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الصُّبْرَةِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَيْلًا وَلَا جُزْءًا مُشَاعًا قَالَ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ أَنَّ الْجُزَافَ إنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ لِلضَّرُورَةِ لِمَا يُرِيدُ