(وحقّ الَّذِي أبلى فُؤَادِي بحبكم ... وصيّر قلبِي فِيكُم هائماً صبّا)
(محبكم المضنى على مَا عهدتم ... وَلم يجن فعلا فِي الْفِرَاق وَلَا ذَنبا)
(ولكنّها الأقدار تجْرِي على الْفَتى ... وَتحمل فِيهَا من أحبّته عتبا)
(أأحبابنا أَنْتُم بقلبي وناظري ... لذَلِك لَا أَشْكُو بعاداً وَلَا قربا)
وَالظَّاهِر أَن مولده سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة أَو سنة سَبْعمِائة ولّما وَقع الطَّاعُون بِدِمَشْق سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قلق وهمع وزمع وتطاير كثيرا وراعى الْقَوَاعِد الطبية وانجمع عَن النَّاس وانعزل وعزم على الْحَج وَاشْترى الْجمال وَبَعض الْآلَات ثمَّ إنّه بَطل ذَلِك وَتوجه بِزَوْجَتِهِ ابْنة)
عَمه إِلَى الْقُدس الشريف وولديه وصاموا هُنَاكَ رَمَضَان فَمَاتَتْ زَوجته هُنَاكَ ودفنها بالقدس فِي شهر رَمَضَان وَحضر إِلَى دمشق وَهُوَ طَائِر الْعقل فَيوم وُصُوله برد وَحصل لَهُ حمّى ربع وأضعفته إِلَى أَن بحرنت بصرع وَتُوفِّي رَحمَه الله وسامحه يَوْم عَرَفَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن عِنْد وَالِده وأخيه بدر الدّين مُحَمَّد بالصالحية
وكتبت أَنا إِلَى أَخِيه القَاضِي عَلَاء الدّين أعزيه فِيهِ بِكِتَاب هَذَا نسخته يقبل الأَرْض وَيُنْهِي مَا عِنْده من الْأَلَم الَّذِي برّح والسقم الَّذِي جرّ ذيول الدمع على الخدود وجرّح لما قدّره الله من وَفَاة القَاضِي شهَاب الدّين سقته بألطف أندائها وأغزرها ساريات الْغَمَام ف إنّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون قَول من غَابَ شهابه وآب التهابه وذاب قلبه فَصَارَ للدمع قليبا وشاب فوده لّما شبّ جمر فُؤَاده وَلَا غرو فيومه جعل الْولدَان شيبا فيا أسفا على ذَلِك الْوَجْه المليء بالملاحة وَاللِّسَان الَّذِي طالما سحر الْعُقُول ببيانه فصاحت يَا ملك الفصاحة وَالْيَد الَّتِي كم روّضت الطروس أقلامها وأنشأت أسجاعاً لم تذكر مَعهَا بانات الْحمى وَلَا حمامها فَكَأَن أَبَا الطّيب مَا عَنى سواهُ بقوله
(تعثّرت بك فِي الأفواه ألسنها ... وَالْبرد فِي الطّرق والأقلام فِي الْكتب)
فرخم الله ذَلِك الْوَجْه وبلّغه مَا يرجوه وضوّأه بالمغفرة يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه لقد فقد الْمجد المؤثل مِنْهُ ركنا تتكثر بِهِ الْجبَال فَمَا تقله وَلَا تستقله وعدمت الْآدَاب مِنْهُ بارعاً لَو عاصره الجاحظ مَا كَانَ لَهُ جاحداً وَالْبيع علم أَن مَا فض لَهُ فَضله وَغَابَ عَن الْإِنْشَاء مِنْهُ كَاتب لَيْسَ بَينه وَبَين الْفَاضِل لَوْلَا أَخُوهُ مثله أَتَرَى ابْن المعتز عناه بقوله
(هَذَا أَبُو الْعَبَّاس فِي نعشه ... قومُوا انْظُرُوا كَيفَ تَزُول الْجبَال)
وَمَا يَقُول الْمَمْلُوك فِي هَذَا الْبَيْت الْكَرِيم إِلَّا إِن كَانَ قد غَابَ بدره وأفل شهابه أَو غاض قطره وتقشّع سحابه فَإِن نيّره الْأَعْظَم بَاقٍ فِي أوجه وبحره الزاخر متلاطم فِي موجه وَفِي بَقَاء مَوْلَانَا خلف عَمَّن سلف وَعوض عَمَّا انْهَدم رُكْنه أَو نقض وجبر لمن عدم الْجلد وَالصَّبْر وَالله