أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَفِي إمَامَةِ مَنْ يَلْحَنُ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: مَمْنُوعَةٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا جَازَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَصَّارُ إنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى جَازَتْ إمَامَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَيَقُولُ: إيَّاكِ نَعْبُدُ، وَأَنْعَمْت عَلَيْهِمْ، فَيَجْعَلُ الْكَافَ لِلْمُؤَنَّثِ، وَالْإِنْعَامَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَلْفِظُ بِالضَّادِ ظَاءً، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي يَلْفِظُ بِالرَّاءِ خَفِيفَ الْغَيْنِ طَبْعًا فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إحَالَةُ مَعْنًى، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانُ حُرُوفٍ، وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ ابْتِدَاءً إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَحْسَنُ، إذَا كَانَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُقَيِّمُ قِرَاءَتَهُ فَإِنْ أَمَّ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ لَحْنَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا، وَمَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَلَامًا فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَكَلَّمَ جَهْلًا هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَيْفَ بِهَذَا، وَاللَّحْنُ لَا يَقَعُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ؟ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُسْلِمُهُ مِنْ اللَّحْنِ لَأَجْزَأَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُغَيِّرُ مَعْنَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مُوجِبَ ذَلِكَ اللَّحْنِ، وَلَا يَعْتَقِدُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَعْتَقِدُهُ مَنْ لَا لَحْنَ عِنْدَهُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ ابْتِدَاءً إلَى آخِرِهِ رَاجِعٌ إلَى اللَّحَّانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ فِي جَوَازِ إمَامَةِ اللَّحَّانِ ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَرَابِعُهَا: لِلْقَاضِي مَعَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، وَالْأَحْسَنُ الْمَنْعُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَمَّ لَمْ يُعِدْ مَأْمُومُهُ انْتَهَى.
فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ خَامِسًا: وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ إمَامَتِهِ ابْتِدَاءً إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ فَإِنْ أَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ رَسْمِ الصَّلَاةِ: الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَيْ يَحْفَظُ، وَلَا يُحْسِنُ قِرَاءَتَهُ وَيُلْحِنُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِنْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ يُلْحِنُ فِي سِوَاهَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَأْوِيلًا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي التَّأْوِيلِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي النَّظَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ لَا يُلْحِنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُلْحِنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ إذَا كَانَ لَحْنُهُ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ الْمَعْنَى مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إيَّاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَأَنْعَمْت بِرَفْعِ التَّاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ لَحْنُهُ لَا يَتَغَيَّرُ مِنْهُ الْمَعْنَى مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدِ لِلَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ " الْحَمْدُ " وَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ " لِلَّهِ "، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مَا يَقْتَضِيه اللَّحْنُ بَلْ يَعْتَقِدُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يَعْتَقِدُ بِهَا مَنْ لَا يُلْحِنُ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمِنْ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَرَّ بِالْمَوَالِي، وَهُمْ يَقْرَءُونَ وَيَلْحَنُونَ، فَقَالَ: نِعْمَ مَا يَقْرَءُونَ، وَمَرَّ بِالْعَرَبِ، وَهُمْ يَقْرَءُونَ، وَلَا يَلْحَنُونَ، فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَ» ، وَأَمَّا الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُ النُّطْقُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الظَّاءِ وَالضَّادِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الِائْتِمَامُ بِهِمْ مَكْرُوهًا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضَى بِهِ سِوَاهُمْ انْتَهَى.
، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَأَمَّا اللَّحَّانُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَلَوْ كَانَ لَحْنُهُ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّادِ وَوَافَقَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَرَأَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَيْضًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ لَا يُغَيِّرُ مَعْنًى صَحَّتْ إمَامَتُهُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ بِتَعَمُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَحْنُهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِيَانِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا رَابِعًا، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute