للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ» وَالْغِيلَانُ: طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، وَهُمْ سَحَرَتُهُمْ وَمَعْنَى تَغَوَّلَتْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ انْتَهَى. وَزَادَ فِي الْأَذْكَارِ، فَقَالَ: وَالْمُرَادُ ادْفَعُوا شَرَّهُمْ بِالْأَذَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَدْبَرَ انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَهِيَ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ مِنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا الْقُرْطُبِيُّ وَلَا الْأَبِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بِإِثْرِ الْعَقِيقَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْخِتَانِ، وَالْخِفَاضِ، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ وَيُقِيمَ حِينَ يُولَدُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْيُمْنَى، وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْأُخْرَى، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابَ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْأُذُنِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَقَدْ جَرَى عَمَلُ النَّاسِ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَصِحَّتُهُ بِإِسْلَامٍ)

ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْكَافِرِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْكَافِرِ فَإِنْ أَذَّنَ كَانَ أَذَانُهُ إسْلَامًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَإِذَا أَذَّنَ كَافِرٌ كَانَ أَذَانُهُ إسْلَامًا انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ أَذَانِهِ حُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، وَيُظْهِرَ الْعُذْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَقَالَ إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ خَوْفًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عُذْرُهُ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَلَهُمْ خِلَافٌ فِي وُقُوعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَانْظُرْ هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا أَنَّ أَذَانَهُ يُجْزِئُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ لَا يُجْزِئُ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ، وَاغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ.

(قُلْتُ) قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا يُوهِمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا بَحْثُهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ أَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَلِتَصْرِيحِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ أَذَانَ الْكَافِرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَلِأَنَّ أَوَّلَ الْأَذَانِ أَوْقَعَهُ قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ إلَّا بَعْدَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْضًا فَسَيَأْتِي أَنَّ الرِّدَّةَ يَبْطُلُ بِهَا الْأَذَانُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مِنْ التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: وَإِنْ أَذَّنَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الرِّدَّةِ هَلْ تُبْطِلُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا أَوْ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّدَّةَ بِمُجَرَّدِهَا تُبْطِلُ الْعَمَلَ وَلِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِبُطْلَانِ أَذَانِهِ، فَقَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ بَطَلَ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ أَعَادُوا فَحَسَنٌ، وَإِنْ اجْتَزُوا بِذَلِكَ أَجْزَاهُمْ انْتَهَى.

ص (وَعَقْلٍ)

ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَلَا السَّكْرَانِ وَلَا الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا أَذَّنَ لِقَوْمٍ سَكْرَانُ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يُجْزِهِمْ فَإِنْ صَلَّوْا لَمْ يُعِيدُوا

ص (وَذُكُورَةٍ)

ش: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَهَلْ أَذَانُ الْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَذَانُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: سُنَّةٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>