كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَلَوْ أَمْكَنَ زَوَالُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِأُشْنَانٍ، أَوْ صَابُونٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَفِي حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ فِي الدَّمِ الْعَسِرِ الزَّوَالِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْفِيكَ الْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكَ أَثَرُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقِيسَ الرِّيحُ عَلَى اللَّوْنِ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ.
(الثَّالِثُ) لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ مَعًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
(الرَّابِعُ) إذَا عُسِرَ زَوَالُ اللَّوْنِ، أَوْ الرِّيحِ فَالْمَحَلُّ طَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَكَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.
(الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِاغْتِفَارِهِ الرَّائِحَةَ فِي الْمَاءِ أَنْ يَغْتَفِرَهَا فِي الْإِزَالَةِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَعْسُرْ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّيْءِ عَلَى حُدُوثِ أَمْرٍ أَضْعَفُ مِنْهَا عَلَى بَقَائِهِ لِقُوَّتِهِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ.
ص (وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ) . ش الْغُسَالَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي غُسِلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، وَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً وَسَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالطَّعْمِ، أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَتْ كَحُكْمِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالنَّجَاسَةِ أَوْ بِوَسَخٍ فِي الثَّوْبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهَا بِصَبْغٍ فِي الثَّوْبِ وَبُولِغَ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ حَتَّى غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّغَيُّرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الصَّبْغِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُضَافًا بِغَيْرِ شَيْءٍ طَاهِرٍ وَغُسِلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى زَالَ عَيْنُهَا وَأَثَرُهَا وَخَرَجَ الْمَاءُ كَهَيْئَتِهِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَةِ الْغُسَالَةِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ أَصْلًا فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَحْكُمُوا بِنَجَاسَةِ الْبَلَلِ الَّذِي فِي الثَّوْبِ فَكَذَلِكَ الْبَلَلُ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ انْفَصَلَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ وَإِلَّا كَانَ هَذَا مُعَارِضًا لِلْفَرْعِ الْآتِي فَتَأَمَّلْهُ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغُسَالَةَ الَّتِي لَمْ تَتَغَيَّرْ طَاهِرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَلَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَقَالُوا كَذَلِكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ وُرُودِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فَيُشَكِّلُ مَذْهَبَهُ مِنْ جُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةِ قَالُوا طَاهِرَةً كَمَغْسُولِهَا.
(قُلْتُ:) يُرَدُّ بِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لَهَا وَبِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَا تَوَضَّأَ بِهِ لَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ طَاهِرًا وَعَلَى قَوْلِهِمْ الْتَزَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لَوْ غُسِلَتْ قَطْرَةٌ مِنْ بَوْلٍ فِي بَعْضِ جَسَدٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَشَاعَتْ غُسَالَتُهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ لَمْ تَنْفَصِلْ عَنْهُ كَانَ طَاهِرًا اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ.
(قُلْتُ:) اسْتِشْكَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ لِلْغُسَالَةِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَرَدَّهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ بِمَنْعِ انْتِقَالِهَا بَلْ نَقُولُ: الْمَاءُ قَهَرَهَا وَغَلَبَهَا فَكَأَنَّهُ أَعْدَمَهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَهَلْ يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَزَوَالُ النَّجَاسَةِ بِهَذِهِ الْغُسَالَةِ؟ أَجْرَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْمَاءِ الْيَسِيرِ تَحُلُّهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيلُ النَّجَسَ، وَلَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ اهـ.
(قُلْتُ:) ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ الْغُسَالَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلَافًا فِيمَا رَأَيْنَاهُ اهـ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
(قُلْتُ:) قَالَ سَنَدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إنَّهُ إذَا غَسَلَ