للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَوْسَاخٍ فِي الثَّوْبِ مُتَكَاثِفَةٍ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْحَالِ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قُلْتُ: الصَّوَابُ التَّنْجِيسُ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تَخْرُجَ النَّجَاسَةُ وَيَبْقَى الْوَسَخُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ صَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا يَخْرُجُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِخُرُوجِ الْآخَرِ اهـ.

(قُلْتُ:) مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذَا زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَطَعْمُهَا وَلَوْنُهَا وَرِيحُهَا، أَوْ زَالَ الطَّعْمُ وَعَسُرَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ وَتَحَقَّقَ أَنَّ التَّغَيُّرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَوْسَاخِ أَمَّا إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ صِبَاغٍ الثَّوْبِ كَالْمَصْبُوغِ بِالنِّيلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِ الصَّبْغِ، وَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ: إنَّ الْمَصْبُوغَ بِالنِّيلِ الْمُتَنَجِّسِ يَطْهُرُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِهِ أَنْ يَنْقَطِعَ النِّيلُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ طَهُرَ مَا صُبِغَ بِبَوْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُ الصَّبْغُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ مَا جُعِلَ الْبَوْلُ فِي صِبَاغِهِ وَلَيْسَ الْبَوْلُ نَفْسُهُ صَبْغًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ خِلَافًا فَرُوِيَ عَنْهُ تُغْسَلُ وَتُسْتَعْمَلُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا طُبِخَ فِيهَا الْمَاءُ وَغُسِلَتْ طَهُرَتْ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تُكْسَرُ وَتُشَقُّ الظُّرُوفُ فَقِيلَ: عُقُوبَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَقِيلَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهَا تَغُوصُ فِيهَا قَالَ الْأَبِيُّ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ لِلْغَوْصِ وَالْتَزَمَ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صُبِغَ بِهِ ثَوْبٌ لَمْ يَطْهُرْ فَعُورِضَ بِمَا صُبِغَ بِالْوَرْجَلَةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْوَرْجَلَةَ مُتَنَجِّسَةٌ لَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ قَالَ الْأَبِيُّ وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ إنَاءِ الْخَمْرِ إذَا غُسِلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَاءَ لَا يَصِلُ إلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ الْخَمْرُ، وَكَذَا أَفْتَى الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ بِأَنَّ أَلْوَاحَ الْبَتَّاتِيِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَفَ بِهَا الْمَسْجِدَ قَالَ. وَأَمَّا الْأَقْبَابُ الْمَصْنُوعَةُ مِنْهَا فَمَاؤُهَا طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ اهـ.

ص (وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ النَّجَسِ إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَانْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْ الْمَحَلِّ طَهُورًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ انْفَصَلَ طَهُورًا، وَالْمَاءُ الْبَاقِي فِي الْمَحَلِّ كَالْمُنْفَصِلِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالُوا لَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ حَتَّى يُعْصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (مَعَ زَوَالِ طَعْمِهِ لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسِرَا)

ش: قَوْلُهُ مَعَ مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَأَجَازَ الْبِسَاطِيُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَحَلَّ النَّجَسِ يَطْهُرُ بِكَذَا مَعَ زَوَالِ طَعْمِ النَّجَسِ فَإِنْ بَقِيَ طَعْمُ النَّجَسِ لَمْ يَطْهُرْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّعْمِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ الطَّعْمِ، وَإِنْ عَسِرَ، وَقَوْلُهُ: " لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ " مَعْطُوفَانِ عَلَى زَوَالٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ، لَا زَوَالَ لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسِرَ زَوَالُهُمَا أَيْ يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ بِكَذَا بِشَرْطِ زَوَالِ طَعْمِ النَّجَسِ لَا بِشَرْطِ زَوَالِ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ إذَا عَسِرَ، أَوْ إنْ لَمْ يَعْسُرْ زَوَالُهُمَا لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَاءِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبَقَاءُ اللَّوْنِ أَشَدُّ مِنْ بَقَاءِ الرِّيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ بَعْدَ زَوَالِ الْجُرْمِ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ فَالْمَحَلُّ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ، أَوْ الرِّيحُ وَقَلْعُهُ مُتَيَسِّرٌ بِالْمَاءِ فَإِنْ تَعَسَّرَ قَلْعُهُ عُفِيَ عَنْهُ وَكَانَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ كَمَا يُعْفَى عَنْ الرَّائِحَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا عَسِرَ زَوَالُهَا مِنْ الْيَدِ أَوْ الْمَحَلِّ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إدْرَاكُ بَقَاءِ الطَّعْمِ فَإِنَّ ذَوْقَ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ أَيْ لَوْ ذَاقَ فَوَجَدَ الطَّعْمَ لَمْ يَطْهُرْ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْفَمِ أَوْ دَمِيَتْ اللِّثَةُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ زَادَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة، وَكَذَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ الطَّعْمِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَوْقُ الْمَحَلِّ اسْتِظْهَارًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) الْمُعْتَبَرُ فِي إزَالَةِ ذَلِكَ هُوَ الْإِزَالَةُ بِالْمَاءِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ: " وَقَلْعُهُ تَيَسَّرَ بِالْمَاءِ " فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ زَوَالُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِغَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>