للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ.

(الثَّالِثُ) إذَا اتَّصَلَ الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمَائِعٍ فَهَلْ الْعَفْوُ بَاقٍ أَمْ لَا لَمْ أَرَ نَصًّا صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَفْوَ بَاقٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرُ الْمَعْفُوِّ إنْ بَقِيَ طَعْمُهُ لَمْ يَضُرَّ يَعْنِي أَنَّ الْمَعْفُوَّ لَا يَلْزَمُ إزَالَتُهُ فَإِنْ أُزِيلَ وَبَقِيَ طَعْمُهُ أَوْ غَيْرُهُ عُفِيَ عَنْهُ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الْكُلِّ يَسْتَلْزِمُ الْعَفْوَ عَنْ الْجُزْءِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِيمَنْ دَمِيَ فَمُهُ ثُمَّ مَجَّ رِيقَهُ حَتَّى ذَهَبَ فَهَلْ يُطَهِّرُهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ لِعُلَمَائِنَا قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ طَهَارَتُهُ بِالْمَاءِ إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا عُفِيَ عَنْهُ، وَلَا يُطَهِّرُ الرِّيقُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يَكْفِي مَجُّ الرِّيقِ فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَمُصُّهُ بِفِيهِ وَيَمُجُّهُ وَالْيَسِيرُ عَفْوٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي لَا يَأْخُذُ مِنْ الثَّوْبِ بِفِيهِ، وَقَوْلُهُ وَالْيَسِيرُ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي لَوْ مَصَّ الْيَسِيرَ بِفِيهِ حَتَّى زَالَ اكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ.

وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مُصَلٍّ أَخَذَ نُخَامَةً بِكُمِّهِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دَمًا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِيَسَارَتِهِ، وَلَوْ وَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَعْفُوَّاتِ، وَلَوْ عَرِقَ مِنْ الْمُسْتَجْمِرِ مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ فَقَوْلَانِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَيَعْنِي عَرِقَ فَانْتَشَرَ حَتَّى أَصَابَ الثَّوْبَ وَالْجَسَدَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي فَصْلِ آدَابِ الْحَدَثِ وَعَرَقُ الْمَحَلِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ مَعْفُوٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَجَفَّفَ بَعْدَ غَسْلِهِ بِثَوْبٍ فِيهِ دَمٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَخْرُجُ بِالتَّجْفِيفِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا فِي جَسَدِهِ فَكُلُّ هَذِهِ النُّقُولِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ لَا يَضُرُّهُ اتِّصَالُهُ بِمَائِعٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ يَصِيرُ كَالْمَائِعِ الطَّاهِرِ. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

ص (وَبَوْلُ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ)

ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمَعْفُوِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ قُيُودٍ: كَوْنُهُ مِنْ فَرَسٍ وَكَوْنُهُ لِغَازٍ وَكَوْنُهُ بِأَرْضِ حَرْبٍ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ قَيْدٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ لَهُ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ مَنْ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَسُئِلَ عَنْ الْفَرَسِ فِي مِثْلِ الْغَزْوِ وَالْأَسْفَارِ يَكُونُ صَاحِبُهُ يَمْسِكُهُ فَيَبُولُ فَيُصِيبُهُ، فَقَالَ أَمَّا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُمْسِكُهُ. وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَلْيَتَّقِهِ مَا اسْتَطَاعَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُسَافِرُ التَّوَقِّيَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا الْغَازِي فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ لِلضَّرُورَةِ كَمَا خُفِّفَ مَسْحُ الْخُفِّ مِنْ الرَّوْثِ الرَّطْبِ وَجُوِّزَ لِلْمُرْضِعِ الصَّلَاةُ بِثَوْبِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ مَعَ دَرْئِهَا الْبَوْلَ جُهْدَهَا، وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ - إنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوَقِّي - أَنَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي مَعِيشَةِ السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ انْتَهَى.

وَالْمَفْهُومُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَسَنَدٍ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ مَعَ الْقُيُودِ الْأَرْبَعَةِ فَلِذَلِكَ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَفْوِ حِينَئِذٍ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ الْقُيُودِ أُمِرَ بِالتَّوَقِّي جُهْدَهُ فَمَا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ سَفَرٍ مُبَاحٍ يَضْطَرُّ الْمُسَافِرُ فِيهِ إلَى مُلَابَسَةِ دَابَّتِهِ فَرَسًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ التَّحَفُّظِ وَمَا كَانَ مِنْ السَّفَرِ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا فَهُوَ أَوْلَى وَمَا كَانَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي دَوَابِّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّفَرِ فِي مَعِيشَتِهِ فَأَظْهَرُ لِتَكَرُّرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ لِطُولِهِ وَشِدَّةِ اضْطِرَارِهِ إلَى مُلَابَسَةِ دَابَّتِهِ وَخُصُوصًا حَاجُّ الْمَغْرِبِ وَنَحْوِهِ فِي الْبُعْدِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ بَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُؤْمَرَ بِغَسْلِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْكَلَامِ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>