للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجْمَلًا وَتَحْصِيلُهُ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ قَدَرَ عَلَيْهَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي إعَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَخَلَّ بِبَعْضِ الْأَرْكَانِ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَائِزِ وَهُوَ مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مَنَعَهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا يُشَكُّ فِي عَدَمِ إعَادَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَنْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْإِخْلَالِ بِالصَّلَاةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي السَّفِينَةِ قَعَدُوا وَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ وَأَخَلَّ بِفَرْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ صَحَّتْ وَأَمَّا الْقَسَمُ الْمَمْنُوعُ وَهُوَ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ وَأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) مَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ حَصَلَ لَهُ مَيْدٌ يَغِيبُ عَقْلُهُ مِنْهُ وَيُغَمَّى عَلَيْهِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ رُكُوبِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَخُرُوجُهُ لِلْحَجِّ إنَّمَا هُوَ شَهْوَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ بَلْ نَزْعَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَلَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ عَنْ طَالِبٍ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ يُقَالُ اخْتَصَمَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ غَوَايَةً فَقَالَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ لِشَيَاطِينِ الْمَغْرِبِ: نَحْنُ أَشَدُّ مِنْكُمْ غَوَايَةً لِأَنَّا نَحْمِلُ الْمَرْءَ عَلَى الْمَعَاصِي وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فِي مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَقَالَ شَيَاطِينُ الْمَغْرِبِ: نَحْنُ أَشَدُّ لِأَنَّا نَجِدُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي رَاحَةٍ وَمَلَائِكَتُهُ مَعَهُ كَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ التَّبِعَاتِ فَإِذَا قَالَ الْقَوَّالُ فِي التَّشْوِيقِ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ نَنْخُسُهُ بِسِكِّينٍ فَيَبْكِي وَنَحْمِلُهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُ فَمِنْ يَوْمِ يَخْرُجُ نَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ إلَى يَوْمِ دُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ فَخَسِرَ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَدِينِهِ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا فَسَلَّمَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ لِشَيَاطِينِ الْمَغْرِبِ شِدَّةَ الْغَوَايَةِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَدْ شَاهَدْت فِي سَفَرِي لِلْحَجِّ بَعْضَ هَذَا انْتَهَى. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَانْظُرْ إذَا حَصَلَ لَهُ مَيْدٌ حَتَّى غَابَ عَنْ عَقْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَخَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَائِبُ الْعَقْلِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَفِي الْوَجْهِ الْجَائِزِ وَالْمَكْرُوهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَمْنُوعِ يَقْضِي الصَّلَاةَ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قِيَاسًا عَلَى السَّكْرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِغْمَاءُ لِمَرَضٍ غَيْرِ الْمَيْدِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) إذَا رَكِبَهُ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَهَلْ يُطْلَبُ بِالرُّجُوعِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطْلَبُ بِالنُّزُولِ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: يَتَرَجَّحُ الْبَرُّ الْمُوَصِّلُ مِنْ عَامِهِ عَلَى الْبَحْرِ الْمُبَاحِ الْمُوَصِّلِ فِي عَامٍ آخَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَإِنْ تَسَاوَيَا جَرَى عَلَى أَيِّهِمَا أَحَبَّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيُّ وَالْبَرْزَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَهُ: وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ الْبَرِّ بِكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفَقَةً وَلِمَرْجُوحِيَّةِ رُكُوبِ الْبَحْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ انْتَهَى.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ أَسْرَعَ تَعَيَّنَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ.

(السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى مَا يَتَسَاهَلُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ السَّفَرِ مَعَ الْكَفَرَةِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ إبَاحَةِ السَّفَرِ مَعَهُمْ لِمُجَرَّدِ التِّجَارَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِالسَّفَرِ فِي مَرَاكِبِ النَّصَارَى وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِيلَاءُ لَهُمْ وَرُبَّمَا قَدَرُوا فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يَحْكِي أَنَّهُ كَالتِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَفِيهَا يَعْنِي التِّجَارَةَ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ تَشْدِيدِ الْكَرَاهَةِ وَهَلْ هِيَ جُرْحَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَالصَّوَابُ الْيَوْمَ أَنَّهُ خِلَافٌ فِي حَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>