عن تدبره بل علينا أن نتدبره، وأول ما يرد علينا من المسائل نطلبها في كتاب الله، فإن عجزنا عن استبيانها في كتاب الله ففي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنة رسول الله مبينةٌ للقرآن بأمر الله، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، فإذا لم يكن في القرآن ولا في السنة وعجزنا عن إدراك الحكم الشرعي في الكتاب والسنة، حينئذٍ إما أن نسأل أهل الذكر، لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]، وإما أن نتوقف، وإن كان الإنسان أهلًا للاجتهاد فلا حرج عليه أن يجتهد كالإنسان الذي لا يعرف القبلة بنفسه ولا أخبره بها ثقة، فعليه أن يجتهد ويتحرى.
الفائدة الثانية عشرة: أن الهداية بيد الله ولهذا أدلة كثيرة، كقوله تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}[الكهف: ١٧]، وقوله:{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}[آل عمران: ٧٣]، والآيات في هذا كثيرة، فالهداية بيد الله، وقوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: ٥٦]، وإذا كانت من الله، تفرع عن ذلك:
أولًا: أن لا نسأل الهداية إلا من الله وأن نلح على ربنا عزّ وجل بالهداية: اللهم اهدني، اللهم اهدني دائمًا.
ثانيًا: أن نعلم أن أفعالنا لا نستقل بها بل هي بتوفيق الله جلَّ وعلا، فيكون فيها رد على القدرية، إذا كان الله جلَّ وعلا يهدي معناه أن لأفعالنا علاقة بهداية الله، فيكون في ذلك رد على القدرية القائلين: بأن الإنسان مستقل بنفسه وبعمله وبمشيئته وبقدرته، وهل فيها موافقة للجبرية؟