الفائدة التاسعة: أن هؤلاء الحواريين يريدون من الآيات ما يملأ بطونهم، والدليل أنهم أول ما بدؤوا بالأكل قالوا:{نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} فيشبه قول اليهود لما قيل لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}[البقرة: ٥٨]، ماذا فعلوا؟ دخلوا على أستاههم أي: على أدبارهم، يقولون: حنطة، أمروا أن يقولوا: حطة، يعني: احطط عنا ذنوبنا، لكن قالوا: لا، نريد شيئًا ثانٍ، وهو ملئ البطن حنطة، هؤلاء قولهم يشبه هذا القول، والأصل واحد، فكلهم من بني إسرائيل، فلا عجب أن يكون سؤالهم متقاربًا والله أعلم.
الفائدة العاشرة: أن وقوع الشيء يعطي يقينًا أكثر من الخبر به، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الخبر كالمعاينة"(١) ولهذا أمثلة منها: قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: ٢٦٠]، نأخذ هذا من قولهم:{وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}.
الفائدة الحادية عشرة: أن آيات الأنبياء يزداد بها تصديقًا، لقوله:{وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} أي: أخبرتنا بالصدق.
الفائدة الثانية عشرة: ثبوت الخبر بالتواتر وكثرة المخبرين، لقولهم:{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ}، ويمكن أن يستدل بهذا أيضًا على أن الصحابة رضوان الله عنهم قولهم حق وحجة؛ لأفهم شاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشاهدوا آياته، وأيقنوا بها أكثر من غيرهم، وفهموها أكثر من غيرهم.
* * *
(١) رواه أحمد (١/ ٢١٥) (١٨٤٢)، وابن حبان (١٤/ ٩٦) (٦٢١٣)، والحاكم (٢/ ٣٥١) عن ابن عباس.