أهل العلم، وقالوا: لا فرق بين الإسلام والإيمان، واستدلوا بمثل هذه الآية، واستدلوا أيضًا بقول الله تبارك وتعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦]، ولكن هذا القول على إطلاقه فيه نظر، والصواب: أن الإسلام إذا أفرد دخل فيه الإيمان، وإذا ذُكر مع الإيمان صار له معنىً آخر، ويدل لهذا التفصيل قول الله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤]، يعني: لم يدخل لكن قريبًا يدخل؛ لأن:"لما" تفيد النفي مع قرب المنفي، إذًا كيف نُخَرِّج هذه الآية؟ نخرجها: أنهم جمعوا بين الإيمان والإسلام، فيكون الإيمان في القلوب، والإسلام في الجوارح، يعني: أنهم آمنوا وانقادوا انقيادًا تامًّا لأوامر الله ورسوله.
الفائدة الثامنة: أن الحواريين مع كونهم خُلصًا عندهم شيء من الجفاء، لقولهم:{يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}.
فإن قال قائل: لعل شريعتهم تبيح لهم أن ينادوا نبيهم باسمه، بخلاف هذه الشريعة، فقد قال الله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور: ٦٣]، قلنا: وليكن ذلك، لكن هل من الأدب أن يخاطبوا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام باسمه مع أنهم يريدون أن يدعو الله لهم بحصول هذه المائدة، أو الأليق ما داموا يريدونه أن يسأل الله لهم أن ينادوه بوصف النبوة والرسالة؛ لأنه أنسب وأقرب إلى إجابة دعوتهم؛ الجواب الثاني لا شك، على كل حال هذا الخطاب لا شك أن فيه شيئًا من الجفاء.