وقوله عزّ وجل:{فِي الْأَمْرِ} كلمة الأمر: المراد بها واحد الأمور لا واحد الأوامر؛ لأن الأوامر لا يستشير فيها أحدًا، الأوامر يؤمر بها شرعًا، لكن في الأمر أي في الشأن وهو مفرد محلى بـ (ال) فهل (ال) هذه للعموم؟ أي شاورهم في كل أمر أو هو عام أريد به الخاص؟ أي شاورهم في الأمر الذي يكون مشتركًا أو مشتبهًا عليك وجهه؟ الجواب: الثاني بلا شك؛ لأنه لا يمكن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمره الله بأن يشاورهم في كل شيء، إنما يشاورهم في الأمر العام المشترك بدليل قوله تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: ٣٨] أمرهم الذي يجمعهم جميعًا شورى بينهم، أما الأمر الخاص فإنه تطلب الاستشارة عند اشتباه الأمر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حين استشار أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب في شأن عائشة لما حصلت قصة الإفك، وكثر فيها القيل والقال، وغير هذا من الأمور الخاصة التي قد تشْكل على الرسول عليه الصلاة والسلام فيستشير فيها (١)، إذن (شاورهم): استطلع رأيهم (في الأمر) أي في الأمر المشترك أو في الأمر الخاص إذا اشتبه عليك؛ وذلك لأن الشورى يحصل فيها فوائد نذكرها إن شاء الله في الفوائد.
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}:
إذا عزمت أي صممت على الفعل، هل بعد المشورة أو قبل المشورة؟ الظاهر بعد المشورة؛ لأن الفاء تدل على أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي {فَإِذَا عَزَمْتَ} بعد الاستشارة واستطلاع
(١) انظر صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضًا، رقم (٢٦٦١).