وقوله:{مُسْلِمًا} يعني: مسلمًا لله ظاهرًا وباطنًا، فيشمل الإسلام الذي هو عمل بالجوارح والإيمان الذي هو اعتقاد القلوب وأعمال القلوب. وهذه قاعدة مهمة وهي أنه إذا أطلق الإسلام وأفرد شمل الإيمان، وإذا أطلق الإيمان وأفرد شمل الإسلام .. وإذا اقترنا صار الإسلام في الظاهر، والإيمان في الباطن. وهذه هي قاعدة أهل السنة والجماعة، وعليها يدل الكتاب والسنة، فقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان لوفد عبد قيس بالإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة (١). ووصف الله الصلاة بالإيمان في قوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣]، أي: صلاتكم إلي بيت المقدس. وقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]، وهو يشمل كل الدين؛ الإيمان وأفعال الجوارح. فمسلمًا هنا: مسلمًا لله ظاهرًا وباطنًا، فيشمل الإيمان والإسلام:{وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} هذا تأكيد لقوله: {حَنِيفًا} وإن كانت معطوفة بالواو، ولكنها في المعني مؤكدة لما سبق. يعني ما كان من الذين يشركون بالله، لا شركًا خفيًا ولا شركًا ظاهرًا، بل كان يحارب الشرك، وصبر علي الدعوة إلي التوحيد، إلي أن ألقي في النار عليه الصلاة والسلام. ولكن كان جزاؤه علي ذلك أن قيل للنار:{قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩].
(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب وفد عبد القيس، رقم (٤٣٦٨). ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٧).