يكون أحيانًا بالنسبة للنفس أشد من الصبر على فعل المأمور، فيسهل على بعض الناس مثلًا أن يصلي، لكن يصعب عليه أن يدع ما حرّم الله عليه من الأمور التي تحثه نفسه إليها حثًّا.
صبر الصائم على الصيام، من الأول، وصبره على ألمه الذي يحصل بالجوع والعطش، من الثالث، وصبره عمّا حرم عليه بالصوم من الثاني، ولهذا يسمى شهر رمضان شهر الصبر؛ لأن جميع أنواع الصبر الثلاثة تحصل للصائم، ففيه -أي في الصيام- صبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية، وصبرٌ على الأقدار.
ومن الأمثلة: صبر يوسف على إلقاء إخوته إياه في البئر من الثالث، وصبره عن إجابة امرأة العزيز من الثاني، صبرٌ عن المعصية، وصبره على الدعوة إلى الله وهو في السجن من الأول.
يقول:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}:
تتقوا الله عزّ وجل بأن لا تتجاوزوا أو تعتدوا على غيركم، وذلك لأن النفس مجبولة على محبة الانتقام من الغير، فربما إذا سمعت أذى أن تأخذ أكثر من نصيبها، ولهذا قال:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} أي تتقوا الله عزّ وجل فلا تعتدوا على الذين أسمعوكم الأذى.
{فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}:
أي من معزومات الأمور، فعزم هنا: مصدر بمعنى اسم المفعول، أي من الأمور المعزومة التي تحتاج إلى عزم وإلى همة وإلى مكابدة لأنها شاقة على النفس، والعزم في الأمور من الصفات الحميدة التي وصف بها الكُمّل من الخلق، قال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: ٣٥]، فالعزم