ثم عاد الخطاب إلى الجميع فقيل:{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إلى قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، يعني: رجعة لمن له رجعة من سائر المطلقين.
ثم خوطب من له الرجعة بأن قيل له:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} يعني: قاربن، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، ارتجع إن شئت بِنيَّة الجميل، {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} تركُ الرَّجعة وانقضاء العدة، ثم قال:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، يعني: على الطلاق والرجعة، إلى قوله سبحانه:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}، فكان هذا معطوفًا على من طلق الثالثة التي لا رجعة عليها، {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ}، ولم يجز أن يكون هذا عطفًا على من له الرجعة فيها، لأن تلك زوجةٌ نفقتُها واجبة بالنكاح، ولا تسقط عنه، وبينهما الموارثة، وحكمها حكم الزوجات، ولو وطئها لم يكن عليه حد.
وقد قال العراقيون: إن الوطء فيها رجعة (١).
وقال مالك: يؤمر بالإشهاد على الرجعة إذا وطئ، ويؤخذ بذلك.
وإنما أعيد ذكر السكنى لتكون فيه فائدة غير الفائدة الأولى، لأن الأولى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ}، {وَلَا يَخْرُجْنَ}، هي مثل الثانية، فلو لم تكن في الثانية إفراد المَبْتوتة لخلت من الفائدة، وصار التكرير لا فائدة فيه، وما أَنتج الفائدة كان أولى أن يُظن بكلام اللَّه عز وجل.
فعُلم بذلك أن الأولى مخاطبة في اللواتي يملك الزوج الرجعة فيهن، ولم يُحتج إلى ذكر النفقة، لأنها لم تسقط بكتاب اللَّه عز وجل ولا سُنّة، وكانت الثانية مذكورًا فيها السكنى من أجل أنها مبتوتة قد سقطت نفقتها، فأكد أمر السكنى، وذكرت النفقة حيث يكون الحمل، لأن على الأب أن يَغْذُوَ ولده.