للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على أن تعليم أول السورة، إنما قصد به الموضع الذي يقع فيه الطلاق لمن يملك الواحدة، والاثنتين، والثلاث، أن رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كان طلَّق حفصة طلْقة، فأمره اللَّه تبارك وتعالى بارتجاعها (١)، ثم نزل التخيير بين الدنيا والآخرة، فلو اخترن الدنيا لاحتاج أن يطلقهن في الطهر طلقة، فتكون حفصة مطلقة اثنتين، ولكن اللَّه عز وجل (٢) فاخترن الآخرة.

وقد كان عبد الرحمن بن عوف طلَّق تُماضِر بنت الأَصْبَغ طلقتين واحدة بعد الأخرى، وارتجع، وقد كان قد آلى أن لا تسأله امرأة طلاقها إلا طلَّقها، فسألته في غلبة فقال: إذا طهُرت فأعلميني، فلما أعلمته طلّقها (٣)، فهل طلاقه إلا بالآية التي عُلِّم الناس فيها الطلاق؟

وقد ظن قوم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خير نساءه في الطلاق، وهذا ظن سوء أن يظنوا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه مخير في طلاق يكون ثلاثًا، لأن الخيار ثلاث تطليقات، وإنما خيرهم بين الدنيا والآخرة، فإن اخترن الآخرة كُنّ على ما كُنّ عليه، ولهن ما اخترن، وإن أردن الدنيا واخترنها طَلّقهن حينئذ طلاق السُّنة التي علمه اللَّه، ألا ترى إلى قوله تبارك وتعالى: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٢٨]، يريد فتعالين أي: فعلن (٤)، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٢٩]، ألا ترى إلى جوابهن لما قُلْن: نختار اللَّه ورسوله، فهذا هدى فافهم.


(١) رواه أبو داود في سننه عن عمر -رضي اللَّه عنه- برقم ٢٢٨٣، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة (ط الأرناؤوط)، وابن ماجه في سننه برقم ٢٠١٦، في أول أبواب الطلاق، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عاصم بن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنهما- برقم ١٥٩٢٤.
(٢) في الكلام سقط تقديره: خيَّرهن.
(٣) رواه مالك في الموطأ رواية يحيى، رقم ١٦٦٣، كتاب: الطلاق، طلاق المريض.
(٤) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>