قال أبو حنيفة وأصحابه: إن القاذف إذا تاب لم تقبل شهادته، واحتجوا بأن الاستثناء لم يقع على كل ما ذكر في القرآن، وأن الدليل على ذلك، أنه لو تاب لم يسقط عنه الحد (١)، فغلطوا من حيث لا يُشكِل، وذلك أن القاذف إنما أوجب اللَّه تبارك وتعالى ألا تقبل شهادته، وأنه من الفاسقين بعد الحد، وبيَّن ذلك في كتابه بقوله سبحانه:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}، فإنما ذلك بعد الجَلْد، وإنما يكون محدودًا في القذف بعد الجلد، فأما قبل الجلد وبعد ما قذف فهو على أمره الذي كان، لأنه لا يُدرى إلى ما يفضي أمرُه، إذ كان قد يأتي بأربعة شهداء بأن المقذوف زان، أو أنه قد كان حُدَّ في الزنا، ويخاف المقذوف أن تقوم عليه بينة فيمسك عن المطالبة فَيُدفع عنه الحد.
٤٦ - أخبرنا إسماعيل، قال: نا نصر بن علي، عن وكيع، عن محمد بن قيس، عن الشعبي في القاذف إذا لم يُحد جازت شهادته، فإذا عجز القاذف عن البينة وطالبه المقذوف بالحد فجلد، وجب فيه حكم اللَّه، بأن لا تقبل شهادته أبدًا، وأنه من الفاسقين، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا}، فالاستثناء واقع على ذلك كلِّه.