[النصوص الواردة في وجوب اتباع الهدى وترك اتباع الهوى]
إن الأمة قد انحرفت عن كتاب الله وعن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، مع أن الأوامر في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام لا تكاد تحصى عدداً في الأمر بطاعة الله وبطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وبيان أن النصر في الاستمساك والعض بالنواجذ على الكتاب والسنة، وعلى هدي السلف رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ولكن الأمة تغافلت أو تناست هذا كله، ووقعت في هواها بجميع طوائفها وفئاتها، وإن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين باتباع الأثر وترك الهوى، فقال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:١٣٥].
وهذا أمر موجه لأهل الإيمان.
فالمؤمن لا ينبغي له قط أن يكون متبعاً لهواه؛ لأن المؤمن لا يسعه إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا عند سماع قول الله تعالى وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأثنى الله تبارك وتعالى على نبيه الكريم أنه لا {يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].
والأنبياء عليهم السلام لا يتكلمون بأهوائهم ولا بأمزجتهم وإنما يتكلمون بوحي من السماء، خاصة فيما يتعلق بالوحي، فليس من نبي نبئ ولا من رسول أرسل إلا تكلم فيما أمره الله تعالى أن يبلغه لأمته، أو يبلغه إلى الناس عامة كما أمر نبينا عليه الصلاة والسلام، فكانت رسالته عامة وشاملة للإنس والجن إلى قيام الساعة.
وهذا أسلوب حصر وقصر، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ما تكلم بحرف واحد فيما يتعلق بالتشريع والعبادة والعقيدة، وما يتعلق بالدين في الجملة إلا بوحي السماء، ولو أنه تكلم بكلامنا لربما زاغ، ولكن هذا الزيغ منتف؛ لأن الأنبياء معصومون في البلاغ عن الله عز وجل.
وحذر الله تبارك وتعالى نبيه أن يتبع أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، فقال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨].
والنبي عليه الصلاة والسلام ليس متبعاً لهواه؛ لأن هواه في طاعة الله عز وجل، أمره ربه تبارك وتعالى أن يطيع، وألا يتبع أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
وقال سبحانه: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٦]، وهذا يدل على أن من اتبع هواه تردى في هوة سحيقة، وقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة:٤٩]، أي: لا تحاب أحداً -يا محمد- في طاعة الله وشرعه مهما كان عظيماً أو شريفاً، أو ذا منزلة أو وجاهة أو منصب أو مكانة في قومه، فلا تعبأ بهذا؛ لأن العبرة بموافقة الحق من كتاب الله ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال سبحانه مذكراً نبيه وآمراً له: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩].
لا تحكم بينهم بما يتوافق مع أهوائهم، وهذا لمجرد توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن اتباع الهوى.
ثم بين الله تعالى لرسوله الكريم عاقبة اتباع الهوى، فقال سبحانه لداود عليه السلام: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص:٢٦]، لأنك لو اتبعته يضلك عن سبيل الله؛ فلذلك من أعظم عواقب اتباع الهوى: أنه يوقع في الضلال.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً).
فكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هما النجاة من الضلال، وهذا يعني: أننا لو أعرضنا عن الكتاب والسنة لوقعنا في الضلال، بمفهوم المخالفة، وهذا الذي وقعت فيه الأمة الآن.