وقد أظهر العباسيون منذ أن تولى «على بن عبدالله بن العباس» أمر
الدعوة، ومن جاء بعده من أبنائه حصافة سياسية ودهاء منقطع
النظير، فقد أدركوا أن أهم أسباب فشل العلويين فى الوصول إلى
الخلافة هو التسرع والاعتماد على حب الناس لهم، وعواطفهم
نحوهم، دون عمل منظم، فحاولوا تفادى تلك الأخطاء، وصاغوا
شعارًا خادعًا لدعوتهم، هو الدعوة للرضا من «آل محمد»، فاقتنع
كثير من الشيعة أن المقصود هو الدعوة لواحد من أولاد «علىِّ»
أحفاد النبى - صلى الله عليه وسلم -، مع أن الشعار يتسع ليشمل
العباسيين أيضًا، فهم من «آل محمد».
ثم ظهرت عبقرية أئمة الدعوة من العباسيين وهم «على بن عبدالله»،
وابنه «محمد» وأولاده فى اختيار الدعاة بدقة بليغة، من ذوى
الفصاحة والبلاغة والقدرة الفائقة على مخاطبة الناس بما يناسبهم،
ومن المخلصين للدعوة ورجالها، المتفانين فى سبيلها، حتى إن
الواحد منهم إذا ألقى القبض عليه، وحقق معه الولاة الأمويون يفضل
الموت، ولا يبوح بكلمة واحدة عن الدعوة ورجالها.
وكما تجلت عبقرية الأئمة فى اختيار دعاتهم تجلت أيضًا فى اختيار
المكان الذى ستنطلق منه الثورة المسلحة؛ لتكتسح الدولة الأموية،
وهو «خراسان»؛ حيث العداء الدفين للأمويين، والعصبية العربية
المحتدمة، وانطلقوا يزرعون العداء، ويبثون الدعايات المغرضة
ضد «بنى أمية»، فيضخمون الأخطاء اليسيرة، وأحيانًا يختلقون
الأخطاء وينسبونها إلى الخلفاء الأمويين، كاختلاقهم أن «الوليد بن
يزيد» حاول شرب الخمر فوق «الكعبة»، وكانوا يقومون بذلك وهم
على هيئة تجار عاديين، وفى أسلوب هادئ، حتى تحولت مشاعر
الناس ضد الدولة الأموية ورجالها.
واستمر هذا العمل الدءوب نحو ثلث قرن (٩٩ - ١٢٩هـ)، وكان يجرى
عبر محور «الحميمة» الرئيسى حيث مقر أئمة الدعوة، وتخرج منها
التعليمات إلى «الكوفة»، ومنها إلى «خراسان».
ولما حانت ساعة العمل العسكرى، عهد الأئمة بهذه المهمة إلى «أبى