مقتصرًا على الأشياء غير المعنوية، فلم تُغتصب امرأة ولم يُمسَّ
شيخ ولا عجوز ولا طفل ولا راهب بأذى، ولم تهدم كنيسة ولا
صومعة ولا دير ولا بيعة، مع أن المدينة أُخذت بالحرب ورَفضت
التسليم. - وكان من حق الفاتح قانونًا - ما دامت المدينة قد أخذت
عنوة- أن يكون هو نيابة عن الجيش الفاتح مالكًا لكل ما فى
المدينة، وأن يحول نصف الكنائس والبيع على مدى زمنى طويل
إلى جوامع ومساجد، وأن يترك النصف الآخر لشعب المدينة على
ما هو عليه، وفى وقفيات السلطان «محمد الفاتح» بنود كثيرة
على بقاء أديرة «جوكاليجا» و «آيا» و «ليبس» و «كيرا ماتو»
و «الكس» فى يد البيزنطيين. - واعترف لليهود بملكيتهم لبيعهم
كاملة، وأنعم بالعطايا على الحاخام «موسى كابسالى». -
وعين فى سنة (٨٦٥هـ= ١٤٦١م) للجماعات الأرمنية بطريقًا يدعى
«يواكيم» ليشرف على مصالح الأرمن ويوحد صفوفهم. - وبدأ
فى أعمال تعمير المدينة ابتداء من (٢٣ من ربيع الأول ٨٥٧هـ =
١٢ من يونية ١٤٥٣م) (كان الفتح يوم ٢٩ من مايو من العام
نفسهـ) وأمر بنقل جماعات كثيرة من مختلف أنحاء الدولة إلى
«القسطنطينية» للإسهام فى إعادة إنعاشها. - وأعاد
للأرثوذكس كرامتهم التى أهدرها اللاتين الكاثوليك بأن أعطاهم
حق انتخاب رئيس لهم، يمثلهم ويشرف على شئونهم، وأصبح
«سكولا ريوس» (جناديوس) أول بطريق لهم بعد الفتح العثمانى
للقسطنطينية، وبذلك أنقذ الفاتح إيمان الأمة التى فتح ديارها،
وأحيا الأرثوذكية بعد أن أخذت تخفت. - وجعل الفاتح مسائل
الأحوال الشخصية مثل: الزواج والطلاق والميراث وأمور الوفاة
الخاصة بأهل المدينة المفتوحة من حق الجماعات الدينية
المختصة، وكان هذا امتيازًا منعدم النظير فى «أوربا» فى ذلك
الوقت. الفاتح وحكام عصره: كان تصرف «الفاتح» تصرفًا
حضاريا فى الوقت الذى كان الحكام من الشرق والغرب يتلذذون
بسفك الدماء وبقتل الناس بالآلاف، ويتلذذون وهم على موائد