وقد ترك هذا النشاط الاقتصادى أثره فى الحياة الاجتماعية وأدى
إلى تنوع الطبقات، فهناك الطبقة الأرستقراطية من العرب، وطبقة
الهنود الذين تركزت فى أيديهم الشئون المالية والمصرفية، وطبقة
خليط من العرب وأهل البلاد الأصليين، ثم طبقة العبيد الذين كانوا
يقومون بالأعمال اليدوية فى المزارع والمصانع والمتاجر.
وقد تأثرت الثقافة الإسلامية بهذا النوع من الحياة التجارية وبحركات
الجهاد المستمر الذى فُرض عليها، سواء فى الشمال من مقديشيو ضد
الأحباش أم فى جنوبها ضد البرتغاليين. فالمدن التجارية والسلطنات
التى قامت على طول الساحل كانت ذات صلات وثيقة بالعالم
الإسلامى، وشئون التجارة تفرض تلك الصلات وتنميها وتعمقها،
وكان للتجارة جانبها المضىء فى نشر الإسلام وثقافته فقد أتت
معها الفرق والمذاهب التى عرفتها الحياة الإسلامية وقد انتشر فقهاء
اليمن والحجاز ومصر فى تلك المناطق، وكان هؤلاء غالبًا ما يعملون
بالتجارة، وكان تأثيرهم كبيرًا فى إذكاء حركات الجهاد هناك، وقد
وفد إلى الأزهر كثير من الطلاب والعلماء وأنشئ به رواق لأهل
«زيلع» ورواق للجبرتية.
وبرز من هؤلاء العلماء الوافدين إلى مصر طائفة كبيرة من أمثال
الشيخ الإمام الزيلعى «فخر الدين عثمان بن على» المتوفى سنة
(٧٤٢هـ = ١٣٤٢م) والمحدث الزيلعى «جمال الدين عبدالله بن يوسف»
المتوفى سنة (٧٦٢هـ = ١٣٦٢م) والعارف بالله «الشيخ على
الجبرتى» المتوفى سنة (٨٩٩هـ= ١٤٩٣م)، وكان هؤلاء العلماء
يعودون إلى بلادهم لمتابعة نشاطهم العلمى. وقد وفد إلى تلك البلاد
بعض العلماء المصريين، فابن بطوطة يشير إلى وجود أحد علماء
مصر وهو «ابن برهان المصرى» فى «مقديشيو».
وقد ترك الجهاد فى هذه السلطنات أثره فى الحياة الثقافية فقد
صبغت الثقافة الإسلامية هناك بطابع دينى عميق، فقد كان الفقهاء
والعلماء من وراء حركات الجهاد التى قام بها سلاطين «عَدَل»،