للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث فوائد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخبر أمته بما يعلمه من الآفات التي تحدث من جراء سفر الرجل وحده مبالغةً منه في التحذير من التفرد في السفر، وثانيها: أن النهي مخصوصٌ في وقت الليل لا النهار، وثالثها: أن النهي يعم الراكب والراجل، ولعل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما سار راكب بليلٍ) أنه خرج مخرج الغالب، وإلا فالراجل في معنى الراكب، والله أعلم. وفي النهي عن الوحدة في السفر أيضاً:

(حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ.

قال الخطابي: معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعو إليه، وكذلك الاثنان، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب جماعة وصحب قال: والمنفرد في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله ويورد خبره إليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها (١).

(٨) يستحب له أن يطلب رفيقًا:

يستحب له أن يطلب رفيقًا موافقًا، راغبًا في الخير، كارهًا الشر، إن نسي ذكّره، وإن ذَكَرَ أعانه. وإن تيسر له مع ذلك كونه عالمًا فليتمسك به، فإنه يمنعه بعلمه وعمله، ما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والضجر، ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها.

أورد الخطيب البغدادي رحمه الله في الجامع لأخلاق الراوي وأداب السامع عن الأوزاعي، قال: "الرفيق بمنزلة الرقعة من الثوب، إذا لم تكن مثله شانته " (٢).

أورد أبو نعيمٍ رحمه الله في حلية الأولياء عن سفيان الثوري قال: "جاء رجل إليه، فقال: إني أريد الحج! قال: فلا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك".


(١). عون المعبود. المجلد الرابع (٧/ ١٩١)
(٢) "الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع" (٢/ ٣٥١ رقم ١٧٧٤)، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>