وذهب طوائف من أهل العلم وهم الأكثرون وهو اختيار الطبري وغيره ـ يعني بالطبري ابن جرير ـ وكذلك ذكره ابن قتيبة وغيره من العلماء، وهؤلاء يحتجون بحديث القليب، كما سبق، وليس هو بوهم ممن رواه، فإن ابن عمر وأبا طلحة وغيرهما ممن شهد القصة حكياه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعائشة لم تشهد ذلك وروايتها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:" إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق " يؤيد رواية من روى: إنهم ليسمعون، ولا ينافيه، فإن الميت إذا جاز أن يعلم جاز أن يسمع، لأن الموت ينافي العلم كما ينافي السمع والبصر، فلو كان مانعاً من البعض لكان مانعاً من الجميع.
(وقال أيضاً: وأما أن ذلك خاص بكلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس كذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم " وقد سبق ذكره. (وقال أيضاً: وأما قوله تعالى: (إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ)[النمل: ٨٠] وقوله تعالى: (وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مّن فِي الْقُبُورِ)[فاطر: ٢٢] فإن السماع يطلق ويراد به إدراك الكلام وفهمه، ويراد به أيضاً الانتفاع به والاستجابة له. والمراد بهذه الآيات نفي الثاني دون الأول، فإن ها في سياق خطاب الكفار الذين لا يستجيبون للهدى ولا للإيمان إذا دعوا إليه كما قال تعالى:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلََئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُوْلََئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: ١٧٩] في نفي السماع والإبصار عنهم لأن الشيء قد ينفى لانتفاء فائدته وثمرته فإذا لم ينتفع المرء بما يسمعه ويبصره فكأنه لم يسمع ولم يبصر، وسماع الموتى هو بهذه المثابة، وكذلك سماع الكفار لمن دعاهم إلى الإيمان والهدى. وقول قتادة في أهل القليب: أحياهم الله حتى أسمعهم، يدل على أن الميت لا يسمع القول إلا بعد إعادة الروح إلى جسده: وبذلك قال طوائف كثيرة من السلف لأنه لا يسأل في قبره إلا بعد إعادة الروح إلى جسده، كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطويل، وقد سبق ذكر بعضه وفيه في حق الكافر " وتعاد روحه في جسده ".أهـ