للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ذكروا أوطانهم ذكْرتهم ... عهود الصبا فيها فحنّوا لذالكا

وأراد الحطيئة سفرًا فلما أراد الركوب قالت له زوجته: متى الرجوع؟ فانشد:

عُدّي السنين إذا ارتحلت لرجعتي ... ودعي الشهور فإنهن قصار

فأنشدته:

أذكر صبابتنا عليك وشوقنا ... وأرحم بناتك إنهن صغار

فحط رحله ولم يخرج.

قالوا: وقد يكون الأكد مع الكد، والغيبة مع الغَيْبَة كما يقيل:

وما زلت أقطع عرض البلاد ... من المشرقين إلى المغربين

وأدرع بالخوف تحت الدجا ... واستصحب الجدي والفرقدين

وأطوي وأنشر ثوب العُلا ... إلى أن رجعت بخفي حنين

وقال امرؤ القيس:

لقد طوّفت في الآفاق حتى ... قنعت من الغنيمة بالإياب

وقال آخر:

ألا رُبَّ باغي حاجة لا ينالها ... وآخر قد تقضي له وهو جالس

وهذا ونحوه قليل من كثير، وإنما الحكم للأغلب. والنجاح مع المطلوب أكثر، والحرمان للعاجز أصحب.

(٣) معرفة حكم السفر:

قال الزركشي رحمه الله في الغرر السافر فيما يحتاج إليه المسافر:

اعلم أن السفر مشروع في الجملة، ولكنه ينقسم إلى: طلب وهرب، وكل منهما ينقسم إلى الأحكام الخمسة (١).

(أولاً سفر الهرب):

سفر الهرب ينقسم إلى: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح.

أما الواجب: كالخروج من أرض غلب فيها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على المسلم.

وأما المستحب: فالخروج من أرض غلب فيها البدع إذا لم يقدر على إنكارها، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: من الآية٦٨].

وأما الحرام: فالخروج من ارض تعيّن عليه فيها وظيفة كمن يتعين قضاء البلد.

وأما المكروه: فالخروج من أرض وقع فيها الطاعون فرارًا منه، فقد نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك (٢).


(١) انظر إحياء علوم الدين (٢/ ٣٨٠ - ٣٨٧)، طبعة دار الحديث، وفيه تفصيل أوسع.
(٢) ثبت الحديث عن عدة من الصحابة منهم:
١ - أسامة بن زيد، رواه البخاري (٥٧٢٨)، ومسلم (٢٢١٨).
٢ - عبد الرحمن بن عوف. رواه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩) وأبو داود (٣١٠٣)، وأحمد (٥/ ٢٠٦) وانظر للفائدة: "التمهيد" لابن عبد البر (٦/ ٢١٠ - ٢١٧، ٨/ ٣٦٣ - ٣٧٢) وفتح الباري (١٠/ ١٨٩ - ٢٠٥) وفيها تفاصيل حول هذه المسألة، من أراد ذلك فليراجعهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>