إن قوماً ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم من حسنة، ويقول أحدهم إني أُحسن الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل وتلا قوله تعالى:(وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَاسِرِينَ)[سورة: فصلت - الآية: ٢٣]
[*] وقال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: إن من أعظم الاغترار التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير توبة، وتوقع القرب من الله بغير طاعة، ثم قال: عملٌ كالسراب وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوباً بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب هيهات هيهات أنت سكران بغير شراب.
[*] وقد علم علماء القلوب: أن الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض والإيمان كالبذور فيها، والطاعة جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها ويوم القيامة يوم الحصاد، فمن زرع خيراً وجد خيراً، ومن زرع الشوك لا يجني عنباً، والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة هو الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع، ولا ينمو بذر إلا من بذر الإيمان، وقلما ينفع إيمان مع خبث القلب، وسوء أخلاقه، وكما لا ينمو بذر في أرض سبخة فينبغي أن يقاس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع، فكل من طلب أرضاً طيبة، وألقى فيها بذراً طيباً غير عفن ولا مسوس ثم أمده بما يحتاج إليه في أوقاته، ثم نقى الشوك والحشيش وكل ما يمنع نبات البذرة أو يفسده، ثم جلس منتظرا من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات المفسدة، إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته، سُمي انتظاره رجاءاً، وإن بث البذر في ارض صلبة سبخة مرتفعة لا تصل إليها الماء، ولم يشتغل بتعهد البذر أصلاً ثم انتظر الحصاد منه، سمي انتظاره حمقاً وغرواً لا رجاءاً فإن من زرع الشوك لا يجني عنباً.
(مما ينبغي أن يُعلم أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
الأول: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله.
أما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأمانى شيء آخر.
وكل راجِ خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ أَلاَ إِنّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلاَ إِنّ سِلْعَةَ الله الْجَنّةُ».