ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره، ومعنى فكاكك من النار أنك كنت معرضا لدخول النار وهذا فكاكك لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين.
(الفرق بين الرجاء والتمني:
لا يكون الرجاء إلا مع عمل صالح وإلا كان أمناً وغروراً، فاسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختيار العبد، وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات، فالعبد إذا بذر الإيمان، وسقاه بماء الطاعات، وطهّر قلبه من شوك الأخلاق الرديئة، وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاءاً حقيقياً.
يعنى أولئك يستحقون أن يرجوا رحمة الله، وما أراد به تخصيص وجود الرجاء لأن غيرهم أيضاً قد يرجو ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء.
ومن كان رجاؤه هادياً له إلى الطاعة، زاجراً له عن المعصية، فهو رجاء صحيح، ومن كان رجاؤه داعياً له إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور.
أما مَنْ ينهمك في المعاصي مع رجاء العفو من غير توبة، فهذا غرور، وحاله كحال من يبذر البذور في الصخور ويستنبت النبات في الهواء أو كمن يزرع السيئات ويريدها حسنات يوم القيامة، ألا فليعلم أن من زرع الشوك لا يجني عنباً.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبسِ
(فيا عجباً لرجلٍ ترك الصلاة وارتكب المحرمات، فلمَّا قيل له: فلان، ما هذا؟ قال: الله غفور رحيم! ألا فليعلم أن الله تعالى يقول: وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهتَدَى [طه:٨٢]، فأين التوبة والعمل الصالح؟