للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أبو حامد الغوالي - رحمه الله-: واعلم أن الصبر ينقسم -باعتبار حكمه- إلى فرض ونقل ومكروه ومحرم. فالصبر عن المحظورات فرض. وعن المكروهات نفل والصبر على الأذى المحظور محرم كمن تقطع يده أو يد ولده، فهو يصبر عليه ساكتًا. وكمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر على إظهار الغيرة، ويسكت على ما يجري على أهله فهذا الصب محرم. والصبر المكروه، هو الصبر على أذى يناله بجهة مكروهة في الشرع، فليكن الشرع محك الصبر، فلا ينبغي أن يخيل إليك أن جميع أنواع الصبر محمودة بل المراد به أنواع مخصوصة منه، إذ لا يستغنى عن الصبر في مواطنه.

قال أبو حامد: وجميع مايلقى العبد في هذه الدار لا يخلو عن أحد نوعين:

النوع الأول: مايوافق الهوى، وهو الصحة والسلامة والمالي والجاه وكثرة العشيرة واتساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار، وجميع ملاذ الدنيا فما أحوج العبد إلى الصبر عليها، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والكون إليها والإنهماك في ملاذها المباحة أخررجه ذلك إلى البطر والطغيان.

قال الله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى}

النوع الثاني: مالا يوافق الهوى والطبع وذلك على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يرتبط باختيار العبد وهو سائر أفعاله من طاعة ومعصية وهو ضربان:

الضرب الأول: الطاعة فالعبد محتاج إلى الصبر عليها، فالصبر على الطاعة شديد، أن النفس-بطبيعتها- تنفر عن ىلعبودية وتشتهي الربوبية. ولذلك قال بعض السلف: ما من نفس إ لا وهي مضمرة ما أظهر فرعون من قوله: "أنا ربكم الأعلى" ولكمن فرعون وجد مجاًلا وقبوًلا فأظهر.

ثم من العبادات مايكره -بسبب الكسل- كالعبادات البدنية، ومنها مايكره بسبب البخل ومنها ما يكره بسببهما كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد ويحتاج المطيع إلى شدائد ولعملك المراد بقوله تعالى: {} الذين صبروا أي صبروا تمام الصبر في ثلاثة أحوال:

الأولى: قبل الطاعة. وذلك في تصحيح النية من شوائب الرياء ودواعي الآفات.

الثانية: الصبر حالة العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله ولا يتكاسل عن تحقيق

<<  <   >  >>