الرحمن بن نعيم التستري. أما بعد، فكن عبداً لله ناصحاً له في عباده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، فإن الله -تعالى- أولى بك من الناس، وحقه عليك أعظم ولا تولين شيئا من أمور المسلمين إلا الأمر بالمعروف وبالنصيحة لهم والتوفير عليهم، وأداء الأمانة فيما استرعى وإياك أن يميلك ميلاً إلى غير الحق، فإن الله لا تخفى عليه خافية.
قال أبو حامد الغزالي: فإن قلت: فمتى يصح للإنسان يشتغل بنصح الناس؟ فأقول: إذا لم يكن له قصد إلا هداية الخلق لله -تعالى- وكان يود لو وجد من يعينه، أو لو اهتدوا بأنفسهم وانقطع بالكلية طمعه عن شأنهم، وعن أموالهم فاستوى عنده مدحهم وذمهم، ونظر إليهم كما ينظر إلى السادات وإلى البهائم، أما السادات فمن حيث لا يتكبر عليهم، ويرى كلهم خيراً منه، بجهله بالخاتمة، وأما البهائم فمن حيث المنزلة في قلوبهم.
وينبغي أن تكون النصيحة سراً بين الناصح والمنصوح له، كما سبق الكلام عليه - في الدرجة الثالثة - من الباب الثاني - من قول الإمام الشافعي وغيره: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
وروى أبو نعيم بسنده - عن سفيان الثوري قال: قلت لمسعر بن كدام: تحب أن تهدى إليك عيوبك؟ فقال: أما من ناصح فنعم. وأما من موبخ فلا.
كما قال بعض الحكماء: نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تعنيف. والفرق بين التأديب والنصح، وبين سوء العشرة: أن التأديب لرجل ناصح لله- تعالى- محب للقيام بحقوقه- عز وجل- حريص على ذلك فهو يعاشر الناس على التأديب. وإذا رأى منهم تقصيرًا في حق أو تهاونًا بأمر الله عاتبهم وأدبهم، فينفع الله به الخلق، لصدقه في فعله، وتلين القلوب له، ويذهل النفوس منه.
وسوء العشرة، لرجل ضايق الناس في أمورهم ومعاملتهم ومعاشرتهم ليس به إقامة حق لله، ولكن سوء خلقه، وضيق صدره حمله على ذلك فهو معاشر الناس بذلك الضيق والانحراف.
والثاني فالصاحب من ينصحك إذا علا أمرك، ولا يفضحك إذا خمد جمرك. أولئك خيار الخلصاء وكرام الجلساء، خيار الصباح، وسمار المساء (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرون في البأساء).