الولاية والسلطان. فعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، قال الله - تعالى-: {فاتَّقوا الله ما استطعتم .. }.
وروى مسلم، وأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا:( ... إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ... ).
ثم العلماء الذين قد رفع الله - عزَّ وجلَّ - لهم علمًا في الدين، وأقامهم أئمَّة للمؤمنين وجعلهم حجَّةً على العالمين.
ثم العباد الذين قد نشر الله لهم علمًا في العبادة، وأجاش عليهم القلوب بالمحبَّة والإرادة.
ثمَّ غيرهم من أهل النفاسة من الأمراء والتجار وغيرهم ممن قد نشر الله لهم علمًا بقبول القول فهؤلاء الحجَّة عليهم آكد، والمساءلة من الله لهم أشد، لما منَّ الله به عليهم، وبسط لهم في الجاه، وقبول القول فمتى تكلم هؤلاء في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أعز الله بهم الدين وقمع الظالمين والمفسدين، ومتى تخلفوا عن الأمر والنهي وطووا ألسنتهم كانوا أعوانًا للظالمين وعضدًا للمفسدين.
وإنما كثر الفساد والمنكر وظهر في الناس حتى عم الشرق والغرب، وضيعت الفرائض واستحلت المحارم، بسكوت أهل العلم والعباد، وأهل الفضل، لما تركوا من واجب النصيحة بالأمر والنهي والإنكار على من أظهر المنكر، وجاهز به، والتعليم لأهل الجهل.
فلمَّا لم يروا آمرًا ولا ناهيًا، ولا ناصحًا، ولا مؤدبًا، ولا معلمًا، ولا منكرًا ولا مغيرًا أظهروا المنكر واستخفوا بالفرائض واستحلوا المحارم.
فصار أهل العلم والفقه في ذلك آثمين عصاةً خائنين، لمخالفتهم أمر الله وعهده، وحيث قال:{وإذا أخذ الله ميثاق الَّذين أوتوا الكتاب لتبيِّننَّه للنَّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا فبئس ما يشترون}.