الحمد لله حمداً يليقُ بجلاله وكماله، ويُكافئُ نِعمَهُ ويُوافِي فضلَ مزِيده، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ عبده ورسوله، الدَّاعي إلى طاعته وتوحيده، وعلى مَن اتَّبَع هُداهُ ونصر دينه، ورجا وعدَه وخاف من وعيده، أما بعد:
فقد منَّ الله سبحانه على عباده بأنْ أرسل إليهم رسلاً يُبلِّغونهم رسالة ربهم إليهم، ويُنيرون لهم الطريق إلى معرفته ومعرفة دينه وشريعته التي إذا آمنوا وعملوا بها فازوا في الدارين، وكانوا فيهما من السعداء.
وكان خاتمة هؤلاء الرسل وخيرهم نبيُّنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بلَّغ الرسالة، وادَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى اختاره الله إلى جواره، فلَحِق بالرفيق الأعلى، وترك أمته على المحجَّة البيضاء، والشريعة الواضحة الغرَّاء، التي لا يَضلُّ عنها إلا هالك، والتي تتمثَّلُ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قام سلفنا الصالح بخدمة هذين المصدرين العظيمين حق القيام، مما لم يحظ به نبيّ سابق، ولا تابع لاحق، ففسروا غريبهما، ووضَّحوا معانيهما، وكشفوا عن مقاصدهما، ووفَّقوا بين مشكلهما، وبذلوا الغالي والنفيس في تقريبهما للأمة ونشرهما، والدعوة إليهما.
ثم اصاب الوهن والضعف والتخلف والجهل أمة الإسلام، وجرت عليها سنة الله في خلقه، فالأيام دُوَل، وحكمة الله تعالى في تغيير الأحوال، وتبدُّل الشؤون، فكل يومٍ ربنا في شأن، والحياة والأحياء ينتقلون ويركبون طبقاً عن طبق، وها هو دولاب الزمن يدور، وتقتضي حكمة الله أن تستيقظ الأمة الإسلامية فيبعث الله تعالى فيها المصلحين والدعاة العلماء العاملين