للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا أنها من جملة ألفاظ التوثيق، فيحكي عن صاحبها أنه وثقه أي وصفه بلفظ من ألفاظ التوثيق، إذ لا يمكن أن يقال «صدقه» أو «صلحه» أو «شيخه»، بخلاف ما لو أراد أن يحكي لفظه فإنه لا يسعه إلا أن يأتي بلفظه من غير زيادة ولا تصرف.

وهكذا في التجريح أيضا فإن ألفاظه متعددة وفيها مراتب وطبقات، كقولهم «كذاب» أو «متروك» أو «ليس بثقة» أو «فيه نظر» أو «هالك» أو «ساقط» أو «ليس بشيء» أو غير ذلك، فإذا أراد المحدث حكاية لفظ المجرّح أتى به كما هو، وإذا أراد أن يحكي عنه التضعيف والتجريح قال: «ضعفه فلان»، وهو في الواقع قال لفظةً من هذه الألفاظ، لأن جميعها دال على الضعف؛ وهذا أمر واضح لمن وقف عليه ووجده مسطرا، كسيدي عبد الله الذي منّ الله عليه بمن يتحفه بهذه الفائدة العظيمة (١). أما من لم يجده مسطرا فربما لا يتنبه لها ويناقش الذهبي فيقع في الوهم والخطأ، ظانا أنه أصاب عين الصواب.

الثانية: في قوله: «كما نقله الذهبي في الميزان وشيخه في تهذيب الكمال والحافظ في تهذيب التهذيب والصفي الخزرجي في الخلاصة»، وذلك أن ذكر «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة» تكرار مع ذكر أصلهما الذي هو «تهذيب الكمال» للمزي، فإنهما كناية عن نسختين أخريين من «التهذيب» بالنسبة لهذا النقل لا بالنسبة للتطويل والاختصار؛ وهذا الصنيع شبية بصنيع علماء فاس والمغرب الذي هو أول من يذمه ويضحك منه، إذ ينقلون في مؤلفاتهم النقل عن عالم ثم يقولون:


بالغ، ولو سعيت في مشارق الأرض ومغاربها ونقبت وبحثت على هذه القاعدة في بطون الكتب لما وجدت للتصريح به أثرا، ولكن المؤلف لكثرة اطلاعه وبحثه وممارسته لهذا الفن الشريف ونبره لأقوال أهله أخذ من صنيعهم ما صرح به وهو والله عجيب في بابه، وزادني منه عجبا خصوصا في هذا الموضوع قول الذهبي في «الميزان» ١/ ٤: «ولم أتعرض لذكر من قيل فيه: محله الصدق، ولا من قبل فيه: صالح الحديث، أو: يكتب حديثه، أو شيخ، فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق. اه. فتأمل هذه العبارة لتعلم بعد نظر المؤلف وعظيم تدقيقه في عدم الفرق بين قول المجرح: فلان صدوق وبين قوله ثقة، وإن كان هذا الثاني أرقى من الأول». كتبه عبد العزيز بن الصديق.
(١) علق العلامة عبد العزيز بن الصديق هنا أيضا فقال - من خطه -: «والله إنها لفائدة عظيمة، وقد توقفتُ في أمر هذا الموضوع مدةً حتى وقفتُ على بيانه هنا، فالحمد لله». كتبه عبد العزيز بن الصديق.

<<  <   >  >>