قوله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)} مِنْ وضع الظَّاهر موضع المضْمَر (١) تنبيهاً على أنَّ المحسنين جمعوا بين التَّقوى والصَّبر. وفيه إظهار لفضيلة التَّقوى وفضيلة الصَّبر، وأنَّ عاقبتهما أحسن العواقب، وفيه ترغيب للزوم التَّقوى والصَّبر، وتشويق للنَّفس إلى ثواب الله تعالى، فمن اتَّقى وصبر فهو من المحسنين الَّذين لا تضيع أجورهم، ولذلك قال تعالى للنَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)} [هود] والخطاب وإن كان موجَّهاً للنَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إلَّا أنَّ المراد تعليمنا ذلك.
تقديم التَّقوى على الصَّبر مع الإخوة والأحبَّاء وتأخيرها مع الأعداء
من أسرار النَّظم القرآني وإعجازه البياني حسن التَّقديم والتَّأخير، فمن ذلك ما يلحظه القارئ من تقديم التَّقوى على الصَّبر في قول يُوسُفَ لإخوته: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)}.
بينما قُدِّم الصَّبر على التَّقوى في آيات تتحدَّث عن الأعداء، وتحذِر المؤمنين منهم، ومن ذلك قوله: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)} [آل عمران]
(١) أي وضع المحسنين مكان الضَّمير، فالتَّقدير: لا يضيع أجرهم.