للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن التّعريض قوله: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)} فلم يصرِّح لهم يُوسُفُ أنَّهم ليسوا من الشَاكرين، وإنَّما عرَّض لهم بما يحصل منه الفهم، وهو تعريض مُعْرِبٌ عن الأدب.

ومن التَّعريض قوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} فلم يصرِّح لهم أنَّهم لا يعلمون وأنَّهم جاهلون، وإنَّما عرَّض بهم أدباً منه ـ - عليه السلام - ـ.

نتعلَّم من دَعْوةِ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ

كان يُوسُفُ قد خاطب الفتيين بأنَّهما رفيقاه في السِّجن، فقال: {يَاصَاحِبَيِ} في {السِّجْنِ}؛ ارتباطاً بهما، ومنه نتعلَّم أنَّه مِن واجب الواعظ نحو الموعوظين أن يتواضعَ لهم، وألَّا يترفَّع عليهم؛ فيصدِّر وعظه بكلمةٍ تنمُّ عن ارتباطه بالموعوظين ـ كما فعل يُوسُفُ ـ كما تقول الوعَّاظُ اليوم: أيُّها الأحبابُ، مَعْشَرَ الإخوة الأعزاء، إخواني أحبابَ رسولِ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ:

فَهُنَاكَ يُقْبلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى ... بالرَّأيِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْليمُ

عندئذٍ يَقْربُ على النَّاسِ قبولُ الوعظ، وقد قيل: "النُّصح علاجٌ مرٌّ، فلْيَصْحَبْهُ شيءٌ من حلو الكلام "، وهذا ما جرى عليه القرآنُ الكريم، والشَّواهدُ كثيرةٌ، منها قوله تعال: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ (١) اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ (٢) الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ


(١) إسرائيل: اسم أعجمي، ومعناه: عبد الله، وهو اسم يعقوب ـ - عليه السلام - ـ، قال تعالى: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ... (٩٣)} ... [آل عمران]
(٢) حين قال تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} عمَّ جميع النِّعم فلمَّا عطف {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} كان من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال.

<<  <   >  >>