وقد عبَّر عن النَّجاة باسم الفاعل {نَاجٍ} وعَدَلَ عن الفعل (ينجو) مبالغةً في الدَّلالة على تحقُّق النَّجاة، فالتَّعبير بالاسم يفيد الثُّبوت والاستمرار.
التَّورية المرشَّحة
من فنون البديع المعنوي التَّورية المرشَّحة، والتَّورية: أن يُطْلَقَ لفظٌ له معنيان، قريب ظاهر، وبعيد خفيٌّ، ويراد به البعيد منهما، ومنه قوله تعالى حكاية عن يُوسُفَ - عليه السلام -: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ... (٤٢)} فإنَّ قوله {رَبِّهِ} يحتمل أنْ يُرادَ بها الإله، وهذا هو المعنى القريب المورَّى به، وقد ذكر من لوازمه على جهة التَّرشيح لفظة {رَبِّكَ}، ويحتمل أن يراد به الملك، وهذا هو المعنى البعيد المورَّى عنه، وهو المراد.
فلو اقتصر على قوله:{فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} دون قوله السَّابق لم تكنْ هناك تورية، لأنَّ لفظة {رَبِّهِ} تدلُّ على الإله فحسب، ولذلك فإنَّ لفظة {رَبِّكَ} في قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} رشَّحت لفظة {رَبِّهِ} لأن يكون هناك تورية.
لِمَ لَمْ يَنْهَ يُوسُفُ السَّائِلَ عن سقي ربِّه خمراً؟
معلومٌ أنَّه من الصَّعب جدّاً نَقْلُ النُّفُوسِ من عقيدة إلى أخرى على الدَّاعي وعلى المدعوِّ؛ لأنَّه يعزُّ على النَّفس ترك ما اعتادت عليه؛ لذلك سأل موسى ـ - عليه السلام - ـ ربَّه أن يشركَ شقيقَه هارون ـ - عليه السلام - ـ في الرِّسالة، فقال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)} [طه].
وبعث عيسى ـ - عليه السلام - ـ إلى أهل (أنطاكية) برجلين اثنين ليدعواهم إلى الإيمان، فبادروهما بالتَّكذيب، فقوَّاهما وشدَّ أزرهما برسولٍ ثالثٍ يؤيِّد بعثتهما، قال تعالى: