بأن يستأنفوا صلاتهم، وألا يعتدوا بما مضى منها، ولو أمرهم بذلك، بأن يكبروا للإحرام ثانية لنُقل، فلما لم ينقل علمنا أنهم بنوا على ما مضى من إحرامهم وصلاتهم معه - صلى الله عليه وسلم - وهو جنب، فثبت بهذا: صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي إذا تذكر في أثنائها، وأن الإمام مخيَّر بين أن يستخلف كما استخلف عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف لما طُعن [البخاري (٣٧٠٠)]، وكان ذلك بمحضر الصحابة فلم ينكر عليه، وإما أن يأمر الإمام القوم أن ينتظروه إن ظن رجوعه سريعًا.
وانظر: الأم (٢/ ٣٥٢)، ورجح الانتظار على الاستخلاف.
فإن قيل: لم ينقل في هذا الحديث أنه كبَّر لما رجع وصلى بهم، فيكون قد بنى على التكبيرة التي كبَّرها وهو جنب.
قلنا: قد حصل الإجماع على عدم صحة بناء المحدث على ما صلاه غير طاهر، لفقدان الشرط المصحح لهذه الصلاة التي يبني عليها وهو الطهارة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة المتفق عليه:"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، ولحديث ابن عمر عند مسلم:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، وإنما وقع الاختلاف بينهم في بناء المحدث على ما صلى وهو طاهر قبل حدثه [انظر: التمهيد (١/ ١٤٤)].
وإن قيل: حديث أبي هريرة في الصحيحين صرح فيه أنه انصرف قبل أن يكبر، وما في الصحيحين أو أحدهما مقدم على غيرهما عند التعارض.
قلنا: هذا إذا اتحد المخرج، فأما وهما حديثان متغايران: هذا عن أبي بكرة وأنس، وهذا عن أبي هريرة، والكل صحيح ثابت من جهة السند، فهما إذًا فعلان في موضعين متباينين، وواقعتان مختلفتان، ليس بينهما تضاد أو تعارض، وبهذا قال ابن حبان [الصحيح (٦/ ٧)].
• فإن قيل: هذا معارض لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه".
قلنا: هذا إنما يرويه أحمد بن نصر بن أشكاب [هو أحمد بن نصر بن محمد بن أشكاب أبو نصر القاضي الزعفراني البخاري: قال الخطيب: "وكان ثقة". تاريخ بغداد (٥/ ١٨٣)]، قال: حدثنا محمد بن خلف بن رجاء، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسن بن صالح، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه".
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (٢٢٢)، قال: حدثنا أحمد بن نصر به. والخطيب في المتفق والمفترق (١/ ٦٦٧/ ٣٨٣)، قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر: أخبرنا القاضي أبو النصر أحمد بن أشكاب البخاري به، وفي سند المطبوع سقط ظاهر، وعزاه صاحب كنز العمال (٢٠٤١٠)، وصاحب جامع الأحاديث والمراسيل (١/ ٣٢٧/ ٢٤٠٥): للخطيب وحده في المتفق والمفترق.