فإن قيل: قد سبق أن شهدت لطارق بن شهاب بالصحبة؟ فأقول: نعم؛ هو صحابي؛ قد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كبير، ولم يثبت له منه سماع، وغزا في خلافة أبي بكر، وهو ممن أدرك الجاهلية، وحديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل، ومراسيل الصحابة مقبولة وهي حجة [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (٣٣٩)، والحديث رقم (١٠٦٧)].
ثم إن رجال هذا السند كلهم ثقات، غير عبد الرحمن بن سلمان الحجري الرعيني المصري، فقد قال البخاري:"عبد الرحمن بن سلمان: عن عقيل، سمع منه عبد الله بن وهب، فيه نظر"، وفسر ذلك أبو حاتم بقوله:"مضطرب الحديث، يروي عن عقيل أحاديث عن مشيخةٍ لعقيل يدخل بينهم الزهري في شيء سمعه عقيل من أولئك المشيخة، ما رأيت في حديثه منكرًا، وهو صالح الحديث"، وأمر أن يحول من كتاب الضعفاء، وذكره أبو زرعة الرازي في أسامي الضعفاء، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقيل عنه أنه قال:"ليس به بأس"، وقال ابن يونس:"روى عن عقيل بن خالد غرائب، تفرد بها، وكان ثقة" [التاريخ الكبير (٥/ ٢٩٤)، التاريخ الأوسط (٣/ ١٠٣/ ١٩٥٣)، الضعفاء الصغير (٢١٥)، أسامي الضعفاء (٢/ ٦٣٢)، ضعفاء النسائي (٣٦٢)، الجرح والتعديل (٥/ ٢٤١)، ضعفاء العقيلي (٢/ ٣٣٣)، الكامل (٤/ ٣١٨)، أطراف الغرائب والأفراد (١/ ٤٧٢/ ٢٦٠٨)، الإكمال لابن ماكولا (٣/ ٨٤)، ضعفاء ابن الجوزي (١٨٧٢)، بيان الوهم (٣/ ١٨)، تهذيب الكمال (١٧/ ١٥٠)، الميزان (٢/ ٥٦٧)، التهذيب (٢/ ٥١٢)].
فدل ذلك أن من تكلم فيه إنما تكلم في روايته عن عقيل خاصة دون بقية شيوخه، وعلى هذا تبقى روايته عن ابن الهاد على الاستقامة، وهذه منها، لا سيما وقد توبع عليها، تابعه الثقة الثبت بكر بن مضر.
وعلى هذا: فإنه مرسل بإسناد صحيح.
فإن قيل: ألا تعتضد رواية مسلم بن خالد المتصلة، برواية ابن الهاد المرسلة:
فيقال: الأقرب عندي أنها لا تعتضد لأمور:
الأول: أن كلا الوجهين مداره على ابن وهب، فيخاف من وقوع الوهم من قبل ابن وهب، وإن كان حافظًا، لاتحاد مخرج الحديثين من جهته، والقصة واحدة.
الثاني: تضعيف أبي داود لحديث مسلم بن خالد، وعدم سكوته عليه، على عادته في مثل هذه الأسانيد التي تحتمل في الشواهد والمتابعات، فكأنه لا يعتضد عنده من وجه آخر.
الثالث: احتمال أن ابن وهب اعتمد لفظ عبد الرحمن بن سلمان، لما قرنه في الإسناد ببكر بن مضر، دون لفظ بكر الثقة الثبت، وأن ابن سلمان لم يضبط الحديث.
الرابع: أن قصة جمع الناس في صلاة التراويح على أبي بن كعب محفوظة من حديث: ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ