قلت: يبدو أن ابن عدي لم يسبر حديث ابن عقال كله، فلم يكن عنده ما ينكر سوى هذا الحديث، لا سيما وقد قال ابن عدي في أول ترجمته:"كتبت عنه بها [يعني: بحران] انتقاء أبي زرعة الرازي على أبي جعفر النفيلي"، والغالب على انتقاء أبي زرعة الاستقامة، يعني: أنه كتب عنه أحاديث مستقيمة لأبي جعفر النفيلي فيما انتقاه أبو زرعة.
لكن يمكن حمل كلام ابن عدي على أن ابن عقال هذا كان عنده جملة وافرة من أحاديث أبي جعفر النفيلي؛ مما يتابعه عليها الثقات، وأن الأصل قبول حديثه ما لم يأت عن أبي جعفر بما يخالفه فيه الثقات، بينما كلام أبي عروبة فيه نقد شديد، لكنه مجمل غير مؤيد بأدلة تدل على قلة ضبطه في الرواية، أو القدح في عدالته، والذي يظهر لي: أن سبر ابن عدي لبعض مرويات أبي الفوارس مما يعطي الرجل قوة، وأنه ليس بساقط الرواية، ولا متهماً بحديث، والله أعلم.
وبناء على ذلك: فإن إسناد هذا الحديث إلى الزهري: إسناد حراني لا بأس به، رواته معروفون بالرواية عن بعضهم، وابن عقال مشهور بالرواية عن بلديه أبي جعفر النفيلي الحراني، مكثر عنه، وقد أخرج له ابن عدي في مواضع من كامله أحاديث لأبي جعفر النفيلي، وقد أكثر عنه الطبراني في مصنفاته، وأخرج له أحاديث قد توبع عليها.
* هذا ما وقفت عليه: فيمن روى هذا الحديث عن الزهري بدون الزيادة المدرجة، وهم: مالك بن أنس، ومعمر بن راشد، وابن جريج، ويونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد، وسفيان بن حسين، ومعقل بن عبيد الله، وإن كان قد اختلف على بعضهم:
فأما حديث مالك؛ فقد تقدم ذكر من وهم عليه فيه، ولم يختلف على معمر وابن جريج وسفيان بن حسين.
وأما حديث عقيل:
فقد خالف فيه البخاريَّ فزاد في آخره الزيادة المدرجة:
أبو محمد عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار [وهو: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر، وله أوهام. الثقات (٨/ ٤٣٤)، سؤالات الحاكم (١٥٤)، تاريخ بغداد (١١/ ٩٩)، تاريخ دمشق (٣٨/ ٢٠٨)، سير أعلام النبلاء (١٣/ ٣٨٥)، اللسان (٥/ ٣٥٥)]: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير: ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب؛ أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلةً من جوف الليل يصلي في المسجد، فصلى رجال يصلون بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة الثانية فصلى فصلوا معه، فتحدثوا بذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال:"أما بعد! فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".