وقد شنع الخطيب على أبي عاصم في هذا الوهم، فقال (١/ ٤٥٩): "وأما أبو عاصم فأفرد فصل الترغيب دون ما قبله بإسناد خالفه فيه الجماعة من أصحاب مالك، فكثر بذلك وهمه، وشفع فيه خطؤه".
* وقد وهم بعضهم لما قرن مالكاً في الإسناد بصالح بن أبي الأخضر؛ فحمل لفظ مالك على لفظ ابن أبي الأخضر، فجعل السياق للراوي الضعيف، وترك حديث أثبت الناس في الزهري؛ فإن صالح بن أبي الأخضر: ضعيف، من الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، بينما مالك من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، بل هو من أثبت الناس فيه، إن لم يكن هو أثبتهم:
فقد روى أبو أمية [محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم الخزاعي، أبو أمية الطرسوسي، بغدادي الأصل: صدوق، يخطئ إذا حدَّث من حفظه. التهذيب (٣/ ٤٩٣)، الميزان (٣/ ٤٤٧)]: ثنا روح [يعني: ابن عبادة]، عن صالح بن أبي الأخضر، ومالك بن أنس، عن ابن شهاب؛ أن عروة أخبره؛ أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلةً من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية وصلوا بصلاته، وأصبح الناس ليتحدثوا بذلك، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد، فقال:"أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".
ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ويقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً فقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه".
أخرجه أبو عوانة (٢/ ٢٥٢/ ٣٠٥١)، وأبو علي أحمد بن علي بن شعيب المدائني في فوائده (٧)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (١/ ٤٥٨). [الإتحاف (١٧/ ١٨٨/ ٢٢١٠٦)].
قال الخطيب:"هكذا روى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بن أنس، وساقه سياقةً واحدةً بإسناد واحد، ووهم في ذلك، ولعله حمل رواية مالك على رواية صالح بن أبي الأخضر لما جمع بينهما، والذي عند مالك بهذا الإسناد من أول الحديث إلى قوله: "فتعجزوا عنها"، وأما ما بعد ذلك من ذكر الترغيب في قيام رمضان إلى آخر الحديث، فإنما هو عنده عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، لا عن عروة.
واختلف عليه فيه، فقيل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقيل: عن أبي سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً.
وقد روى عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد الأيليان، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ الحديث بطوله سياقة واحدة، كما ذكرناه عن روح عن صالح بن أبي الأخضر، وعن مالك".