للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والرواية، بل كان مقلًا جدًّا، وقد أعرض عن إخراج حديثه البخاري ومسلم، بل اتفقا على إخراج ثلاثة أحاديث في مخالفته، وابن خزيمة لما أخرج حديثه هذا استغربه، وأشار إلى رد حديثه وعدم قبوله لمخالفته الأحاديث الصحيحة: الشافعي والأثرم والبيهقي، ولا يُعرف له من المسند سوى هذا الحديث الواحد، ولم يوثقه كبير أحد، فهذا ابن سعد يقول فيه: "كان قليل الحديث"، وتوقف عن القول بتوثيقه، وقد استوعب البخاري في ترجمته شيوخه وتلاميذه بقوله: "سمع عمر وعليًا، روى عنه الشعبي وهلال بن يساف، يعد في الكوفيين"، لذا لم يزد أبو حاتم ولا ابنه ولا ابن حبان ولا من أتى بعدهم في ترجمته على ذلك شيئًا، وقال العجلي: "كوفي، تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وهذان من عادتهما توثيق المجاهيل، فلا يعتمد لذلك على توثيقهما على انفراده، وأما ابن حزم فإنما وثقه من قبل نفسه ليعتمد على روايته بعد ذلك ويحتج بها لمذهبه، وإلا فإن عادته تجهيل أمثاله من الرواة، نعم؛ رواية الشعبي عنه ترفع عنه الجهالة؛ فإنه كان لا يروي إلا عن ثقة، وكلام محمد بن يحيى الذهلي الذي حكاه ابن خزيمة يدل على ذلك، وأما قول ابن المنذر: "وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد، لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها"، فيقال: قد طعن فيها إمامه الشافعي وغيره [الطبقات الكبرى (٦/ ١٢٧)، التاريخ الكبير (٨/ ١٦٣)، معرفة الثقات (١٩٥١)، الجرح والتعديل (٩/ ٢٣)، الثقات (٥/ ٤٨٩)، التهذيب (٤/ ٣٢٨)].

• فإن قيل: ألا يرفع من شأن وهب بن الأجدع ويدل على ثقته رواية الشعبي عنه، فيقال: لم يرو عنه الشعبي هذا الحديث، وكأنه أعرض عنه، وإنما روى عنه قوله: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعًا، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت، فكبروا سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمدٌ لله وثناء عليه، وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك [أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٣١١/ ١٤٥٠١) و (٣/ ٣٧١/ ١٥٠٣٢) و (٦/ ٨٢/ ٢٩٦٣٨)، والفاكهي في أخبار مكة (٢/ ٢٢٢/ ١٣٩٧)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (٨١)، والبيهقي (٥/ ٩٤)، بأسانيد صحيحة إلى زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي به] [وروي من وجه آخر عن بيان بن بشر وفراس بن يحيى المكتب عن الشعبي به مختصرًا. أخرجه ابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (٣١٥)]، وهذا موقوف على عمر قوله، ولا نكارة فيه في الجملة، فهو موافق للسنة الصحيحة المرفوعة من حيث الجملة عدا تقييد التكبير بسبع، فلا عجب أن يروي الشعبي عنه هذا الأثر، فإذا أردت أن توثقه برواية الشعبي عنه، فليكن برواية هذا الأثر بعينه، وإلا فلنا أن نقول: لماذا أعرض الشعبي عن رواية حديثه المرفوع عن علي، لا سيما والرجل ليس عنده من الحديث إلا اليسير، بل لا يُعرف له سوى هذا الحديث المسند الواحد، فلماذا امتنع الشعبي عن التحديث به؟!

فإذا كان الرجل لا يُعرف له من الرواية سوى حديث علي المرفوع، وحديث عمر الموقوف، فأصاب في الثاني ووافق فيه - في الجملة - السنة المشهورة، وخالف في

<<  <  ج: ص:  >  >>