وهذا خبر لا يخفى على عالم بالحديث أن هذا غلط وسهو عن ابن عمر، قد كان ابن عمر -رَحِمَهُ اللهُ- ينكر التطوع في السفر، ويقول: لو كنت متطوعًا ما باليت أن أتم الصلاة، وقال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصلي قبلها ولا بعدها في السفر".
ثم قال بعد حديث ابن عمر (١٢٥٧) الآتي ذكره: "فابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ينكر التطوع في السفر بعد المكتوبة، ويقول: لو كنتُ مسبِّحًا لأتممت الصلاة، فكيف يرى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتطوع بركعتين في السفر بعد المكتوبة من صلاة الظهر، ثم ينكر على من يفعل ما فعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسالم وحفص بن عاصم أعلم بابن عمر، وأحفظ لحديثه من عطية بن سعد".
ثم قال بعد حديث سالم عن ابن عمر (١٢٥٩): "فخبر سالم وحفص يدلان على أن خبر عطية عن ابن عمر وهمٌ، وابن أبي ليلى واهمٌ في جمعه بين نافع وعطية في خبر ابن عمر في التطوع في السفر؛ إلا أن هذا من الجنس الذي نقول: إنه لا يجوز أن يحتج بالإنكار على الإثبات، وابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وإن لم ير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متطوعًا في السفر، فقد رآه غيره يصلي متطوعًا في السفر، والحكم لمن يخبر برؤية النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا لمن لم يره، هذه مسألة قد بينتها في غير موضع من كتبنا".
ثم احتج بحديث عثمان بن سعد الكاتب عن أنس في توديع المنزل في السفر بركعتين، وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٢٠٥)، وقلت هناك بأنه يغلب على ظني أن عثمان بن سعد أراد حديث أنس في التعجيل بالظهر إذا نزل منزلًا قبل أن يرتحل، فوهم عثمان، وجعله في توديع المنزل بركعتين، والله أعلم.
قلت: حديث عطية عن ابن عمر حديث منكر؛ عطية بن سعد العوفي: ضعيف، وقد روى عن ابن عمر في الشطر الثاني من الحديث خلاف ما روى عنه أصحابه، مثل: حفص بن عاصم بن عمر، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، وعثمان بن عبد الله بن سراقة، ووبرة بن عبد الرحمن، رووا عن ابن عمر: ترك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السبحة في السفر قبل المكتوبة وبعدها، ورواه سالم ونافع عن ابن عمر موقوفًا عليه، وقد وهم ابن أبي ليلى في ذكر نافع في هذا الحديث، وسيأتي بيان ذلك في سياق طرق حديث ابن عمر في الحديث الآتي.
٢ - حديث ابن عباس:
روى حاتم بن إسماعيل، ووكيع بن الجراح، والأوزاعي، وروح بن عبادة، وسفيان الثوري [تفرد به عنه: قبيصة بن عقبة]:
قال حاتم: ثنا أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن التطوع في السفر، فقال: وما يمنعك؟ فقال الحسن بن مسلم: أنا أحدثك، أنا سألت طاوسًا عن هذا فقال: قال ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قد فرض لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، فكما يتطوع هاهنا قبلها ومن بعدها، فكذلك يصلى في السفر قبلها وبعدها.
وقال وكيع: حدثنا أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن السبحة في السفر، قال: والحسن بن مسلم بن يناق جالس، فقال الحسن بن مسلم، وطاوس يسمع: حدثنا طاوس،