قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد خرجه مسلم من حديث يحيى بن أبي بكير عن شعبة".
قلت: قد وقع إدراج في هذه الرواية فإن استثناء الاستسقاء في رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياضُ الإبطين إنما جاء من حديث قتادة عن أنس، وأما حديث ثابت فليس فيه هذا الاستثناء، وحماد بن سلمة هو أثبت الناس في ثابت، وقد خلت روايته من هذا الاستثناء، وأما الذي وقع منه الاستثناء في حديث شعبة، إنما هو علي بن زيد بن جدعان [وهو: ضعيف]، وظاهره أن ابن جدعان سمعه من أنس، كما جاء ذلك في رواية الجماعة عن شعبة، كما أن الذي قيل له: أنت سمعته من أنس؛ إنما هو علي بن زيد، وليس هو ثابت، وكأنه وقع اختصار في هذه الرواية بإسقاط قصة ابن جدعان، فحصل بسببه الإدراج، فوقع الوهم في هذه الرواية مرتين، واللَّه أعلم.
ومما يؤكد وقوع هذا الإدراج، وأن رواية وهب بن جرير ومن تابعه هي الصواب عن شعبة، أن النسائي في الكبرى بدأ بإيراد حديث ابن مهدي، ثم أتبعه بحديث وهب قائلًا:"خالفه وهب بن جرير"، وعادة النسائي البداءة بالحديث الذي وقع فيه الوهم والغلط والانتهاء بالصواب، ثم قال النسائي: قد روى هذا الحديث: قتادة عن أنس"؛ يعني: أن اسشاء الاستسقاء إنما يُعرف من حديث قتادة، لا من حديث ثابت عن أنس، واللَّه أعلم.
• وانظر فيمن وهم في إسناده على شعبة؛ فجعله عن قتادة عن أنس: ما أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (١/ ١٧٨).
• وستأتي بقية طرق أنس المطولة في وصف استسقاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خطبة الجمعة، برقم (١١٧٤ و ١١٧٥)، إن شاء اللَّه تعالى.
* ومن شواهده:
ما رواه ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمُدُّ يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه.
وقال سليمان: يعني: في الاستسقاء.
وهذا إسناد بصري صحيح، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (٧٤٦)(٨/ ٢٧٤/ ٧٤٦ - فضل الرحيم).
° وقد سبق أن تكلمت عن مسألة رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياضُ الإبطين، وذلك تحت الحديث رقم (٧٤٦) فليراجع، وأن ذلك إنما كان في الاستسقاء، أو في الإشهاد، أو الاستنصار، واللَّه أعلم.
قال النووي في الخلاصة (٣١٠٦): "في الصحيحين أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رفع يديه في دعائه في مواطن كثيرة، فيُتأول حديث أنس أنه لم يعلم، أو أنه أراد الرفع البليغ".
وقال في شرح مسلم (٦/ ١٩٠): "هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا في الاستسقاء، وليس الأمر كذلك؛ بل قد ثبت رفع يديه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الدعاء في مواطن غير