فذكر الأثرم عنه أنه قال:"ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته، فإن تكلم بغير ذلك فسدت عليه [التمهيد (١/ ٣٤٨)].
وقول أحمد في مسائل ابنه عبد الله (٣٦٤) كأنه يميل إلى هذا القول، وسبق نقله قبل قليل في المسألة السابقة، والشاهد منه قوله: "والذي هو من شأن الصلاة: مثل قول ذي اليدين: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فأجابه - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فهذا من شأن الصلاة".
قلت: بل الدليل قول ذي اليدين: بل نسيت يا رسول الله، فإنه هنا قد تكلم عامدًا في الصلاة لمصلحة الصلاة" فلم تبطل صلاته.
لكن المشهور عن الإمام أحمد في هذا التفريق بين الإمام والمأموم، فقد قال أبو داود في مسائله (٣٧٤): "سمعت أحمد سئل عن رجل صلى ركعتين فسلم، فلما سلم أُخبِر أنه صلى ركعتين؟ قال: كل من تكلم وراء الإمام يعيد، قيل لأحمد: فتكلم الإمام، فقال: ما لكم، صليت ركعتين؟ فأشاروا إليه برؤوسهم؟ قال: يبني على صلاته، قال أحمد: تكلم ذو اليدين وهو لا يدري أقصرت الصلاة أم لا، واليوم لا تقصر الصلاة" [وانظر أيضًا (٣٧٢ و ٣٧٢)].
° قلت: نعم؛ قول ذي اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ لم يكن يدري حينها أوقع النسخ أم لا، لكنه حين قال: بل نسيت يا رسول الله، كان متيقنًا عدم وقوع النسخ، متيقنًا أنه في صلاة، وقد تعمد الكلام حينئذ لإصلاح الصلاة عالمًا بأنه في صلاة؛ ولم يؤمر بإعادتها، فدل على جواز الاقتداء بفعله؛ إذ لم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بعد ذلك عدم جواز وقوع ذلك من أحد بعد ذي اليدين، كما قال لأبي بردة بن نيار:"ضح بها، ولن تجزئ عن أحد بعدك"، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وقال في مسائل ابنه صالح (٩٤٩):". . . الإمام لا يعيد صلاته، ومن كلمه أعاد صلاته، قلت: فقد كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمره بالإعادة؟ قال: لأن ذا اليدين كانت الصلاة عنده مقصورة ثم تمت، فخاف أن يكون رجعت إلى القصر، فقال: أنسيت يا رسول الله أم قصرت الصلاة؟ فقال: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، واليوم قد كملت، فهذا لا يشبه حال ذي اليدين" [وانظر أيضًا: مسائل صالح (١٠٨٣)، مسائل ابن هانئ (٢٠٣)].
وقال في مسائل الكوسج (٢٦٨) نحوًا مما تقدم في كون النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم وهو على يقين أنه قد كملت صلاته، وذو اليدين كان على شكٍ؛ لعل الصلاة قد قصرت وعادت كما كانت، إلى أن قال:"والقوم لما أجابوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب عليهم أن يجيبوه بسؤاله إياهم، وليس يجب اليوم على أحد أن يجيب أحدًا، فإذا فعل الإمام مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكلم بمثل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لما كان من شأن الصلاة أتم، وإن تكلم غيره يعيد؛ لأنه لا يكون اليوم في معنى ذي اليدين أحد"، قال الكوسج:"قال إسحاق كما قال سواء" [وانظر أيضًا: جامع الترمذي (٣٩٩)].